ولذلك لا معنى لجريان الإطلاق وقرينة الحكمة ؛ لأنّ الإطلاق إنّما يجري في المفاهيم الكلّيّة القابلة للتضييق كـ ( العالم ) مثلا في قولنا : ( أكرم العالم ) ، فيجري الإطلاق لنفي القيود التي لو كانت موجودة لكانت موجبة للتضييق في مفهوم العالم كقولنا : ( أكرم العالم العادل ).
فإذا نفينا القيود يثبت أنّ المفهوم واسع غير مقيّد ، وبالتالي فهو يشمل كلّ الأفراد القابل للانطباق عليها ، سواء العادل والفاسق بخلاف تقييده بالعادل ، فإنّه يوجب اختصاصه بأفراد العالم العادل فقط دون الفاسق.
وأمّا هنا فإنّ وجود التقييد بـ ( أو ) كعدمه لا يوجب سعة ولا ضيقا في علّيّة الشرط للجزاء ؛ إذ العلّيّة لا تقبل التوسعة والتضييق في نفسها ، بل هي إمّا أن توجد وإمّا أن تعدم عن الشرط. وبهذا يمكننا ذكر قاعدة كلّيّة مفادها :
وليس كلّما سكت المتكلّم عن مطلب إضافي أمكن نفيه بالإطلاق ، ما لم يكن المطلب المسكوت عنه مؤدّيا إلى تضييق وتقييد في دائرة مدلول الكلام.
بيان هذه القاعدة : أنّ المطلب الإضافي المسكوت عنه على نحوين :
تارة يكون المطلب الإضافي المسكوت عنه موجبا ـ على فرض وجوده ـ للتضييق والتقييد في مدلول الكلام المذكور.
وأخرى لا يكون هذا المطلب المسكوت عنه موجبا ـ على فرض وجوده ـ للتضييق والتقييد كذلك.
فإذا كان المطلب المسكوت بالنحو الأوّل أمكن نفيه بالإطلاق وقرينة الحكمة ؛ لأنّه لو كان موجودا للزم وجود مفهوم آخر مباين للمفهوم الموجود والمدلول عليه في الكلام ، فيقال في نفيه : إنّ المتكلّم لو كان يريده جدّا وواقعا للزم أن يذكر ما يدلّ عليه في الكلام ، فما لم يذكر شيئا وسكت عن إفادته فهو لا يريده جدّا فيثبت كون المفهوم المراد هو المفهوم الواسع لا المفهوم الضيق.
كما في قولنا : ( أكرم العالم ) فإنّه لو كان يريد غير هذا المفهوم الواسع وكان مراده الجدّي التقييد لكان ذكر ما يدلّ عليه ؛ لأنّ هذا المفهوم الآخر المقيّد يوجب وجود مفهوم آخر مباين للمفهوم الأوّل أضيق منه دائرة ، فما دام سكت عن إفادة هذا المطلب الإضافي فهو لا يريده جدّا ، وإلا لكان ذكر ما يدلّ عليه في الكلام.