ولا يمكن هنا إجراء الإطلاق وقرينة الحكمة ؛ لأنّ الوجوب في هذه الجملة مقيّد بحصّة خاصّة من الفقراء وهم الفقراء المستثنى منهم الفسّاق ، فإنّ تقيّد الفقراء بالفسّاق عبارة عن نسبة تقييديّة ناقصة وهي تقيّد التحصيص.
فهناك إذا حصّة خاصّة من الوجوب جعلها الشارع ، وهذا لا ينفي ولا يعارض بقيّة الحصص ؛ لأنّ الجزئيّة الموجبة لا تعارض الجزئيّة السالبة مع اختلاف الجهة فيهما.
وبهذا يتّضح أنّ جملة الاستثناء إن رجعت إلى النحو الأوّل كان لها مفهوم ، وإلا فلا ، ولذلك نقول :
فإن رجعت الجملة الاستثنائيّة إلى مفاد القول الأوّل كان لها مفهوم ، وإن رجعت إلى مفاد القول الثاني لم يكن لها مفهوم ، وهذا هو الأصحّ كما مرّ في الغاية.
والصحيح هو أنّ جملة الاستثناء ترجع إلى النحو الثاني لا الأوّل ، ولذلك فلا مفهوم لها (١).
__________________
(١) إلا أنّه في تقريرات بحثه أثبت المفهوم للجملة الاستثنائيّة فيما إذا كان الاستثناء راجعا للحكم كقولنا : ( أكرم العلماء إلا الفسّاق ) أو ( لا تصدّق أحدا إلا الثقة ) ؛ لأنّ الاستثناء يدلّ على الاقتطاع وهو لا يكون إلا في النسب التامّة ، وهذا يعني تماميّة النسبة في قولنا : ( أكرم العلماء ) أو ( لا تصدّق أحدا ) ، وبالتالي يجري الإطلاق وقرينة الحكمة في مفاد هيئة الحكم لإثبات أنّه الطبيعي لا الشخصي.
والوجدان يشهد لذلك ، فإنّ العرف يرى أنّ القائل : ( الإنسان أسود إلا الزنجي ) قد كذب مرّتين لا مرّة واحدة ، وليس ذلك إلا لثبوت المفهوم للجملة وإلا لم يكن كاذبا إلا مرّة واحدة فقط.
وأمّا في الجملة الاستثنائيّة المنفية فلا تحتاج إلى إجراء الإطلاق وقرينة الحكمة ؛ لأنّ نفي الطبيعة لا يكون إلا بتمام أفرادها كما تقدّم سابقا.