قال الشيخ أبو زهرة : كان ابنه يحيى حريصا على أن يدفن أباه بحيث لايعلم بموضعه أحد ، فدفنه في ساقية وردمها؛ ووضع عليها النبات ، لكيلا يعلم أحد بمكان جثمانه الطاهر ، ولكن أحد الذين عرفوا ذلك أنبأ والي الأمويين ، فارتكبوا إثما كبيرا فوق آثامهم ، نبشوا القبر ، وأخرجوا الجثمان ، ومثلوا به ، ونصبوه بكناسة الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك : هلك هشام بعد أن حكم تسع عشرة سنة وأشهرا ، وتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. واتفق المؤرخون على أن الوليد عكف على حب البطالة والصيد والملاهي والشراب والنساء ، وهو أول من حمل المغنين من البلدان إليه ، وكان خليعا متهتكا.
ومن أشهر أفعاله الشنيعة ، أنه قرأ ذات يوم قوله تعالى : «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِن وَرآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ» (٢) ، فدعا بالمصحف ، ونصبه غرضا للنشّاب ، وأقبل يرميه بالسهام ويقول :
أتوعِد كلَّ جبارٍ عنيدٍ؟! |
|
فها أنا ذاك جبارٌ عنيدٌ |
إذا ما جئتَ ربك يومَ حشرٍ |
|
فقل يا رب خرّقني الوليدُ!! (٢) |
إن الزنا والشراب واللهو والغناء ، وما إلى ذلك من الموبقات لم تمنع الوليد عن الظلم ، وتتبع أولاد الأنبياء ، فقد أمر أن تحرق جثة زيد وخشبته ، ويذرّى رماده في الهواء!
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٥ ـ ١٦.
(٢) مروج الذهب ٣ : ١٥٥.