ويبدو أن يزيد بن معاوية أراد أن يخنق ثورة الحسين قبل اشتعالها وذلك باغتياله في المدينة. وقد وردت إشارتان إلى ذلك في كتاب أورده اليعقوبي في تاريخه (٢) من ابن عباس إلى يزيد بن معاوية صريحتان في الدلالة على أن يزيد دس رجالاً ليغتالوا الحسين في المدينة قبل مغادرته إياها إلى العراق.
ولعل هذا ما يكشف لنا عن سبب خروج الحسين من المدينة إلى مكة.
إن العنصر الاجتماعي شديد البروز في ثورة الحسين ، ويستطيع الباحث أن يلاحظه فيها من بدايتها حتى نهايتها ، ويرى أن الحسين ثار من أجل الشعب المسلم : لقد ثار على يزيد اللعين الكافر الفاجر باعتباره ممثلاً للحكم الأموي ، هذا الحكم الذي جوّع الشعب المسلم ، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات ، والرشا وشراء الضمائر ، هذا الحكم الذي مزق وحدة المسلمين وبعث بينهم العداوة والبغضاء ، هذا الحكم الذي شرد ذوي العقيدة السياسية التي لاتنسجم مع سياسة البيت الأموي وقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع عنهم الأرزاق وصادر أموالهم ، هذا الحكم الذي شجع القبلية على حساب الكيان الاجتماعي للأُمة المسلمة.
هذا الحكم الذي عمل عن طريق مباشر تارة وعن طريق غير مباشر تارة أُخرى على تقويض الحس الإنساني في الشعب ، وقتل كل نزعة إلى التحرر بواسطة التخدير الديني الكاذب. كل هذا الانحطاط ثار عليه الحسين عليهالسلام ، وها
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٦.