لايمل ولا يكل ولا يتعب ، وكان عدوا لدودا للإمبراطورية البيزنطية ، ذلك هو أمير حلب سيف الدولة بن حمدان الذي كان قاسيا طموحا لايعبأ بأي الوسائل في سبيل الحصول على المال للإنفاق على جيوشه ، وكان يتمتع بشجاعة فائقة لايعرف الخور إليها سبيلاً».
لقد استطاع هذا البطل الشيعي بالرغم من الحروب الداخلية التي شنها عليه الأخشيديون ، وبالرغم من الفتن التي أثارها رجال القبائل ، استطاع هذا البطل المغوار أن يرد البيزنطيين على أعقابهم وأن يصون سوريا من غزوهم. وقد كان في صيانة سورية صيانة بلاد الاسلام كلها لاسيما مصر والعراق ، فلو استطاع البيزنطيون احتلال سورية لنفذوا منها إلى كل مكان.
هذا القائد المجاهد لم تصرفه المعارك عن أن يجعل من حلب بيئة خصبة للآداب والفنون والعلوم. فقد فتح قصره أيضا لكل فنان موهوب وأديب ، فوفدوا عليه من جميع الأطراف. وكان يستمع إلى الشعراء ويتحبب إلى الكتاب والمصورين ويمنح المؤرخين الشيء الكثير من عطاياه ، فيعود هؤلاء إلى بلادهم حاملين إلى شعوبهم صورة رائعة من خلق الرجل العالي وشخصيته العجيبة.
ويذكر الثعالبي أنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ الشعر ونجوم الدهر ، كما يذكر الغزولي أنه قد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الملوك ، فكان خطيبه ابن نباتة الفارقي ، ومعلمه ابن خالويه ، ومطربه الفارابي ، وطباخه كشاجم ، وخزان كتبه الخالديان