والادعياء والمأجورين النفعيين الذين يؤجرون قدراتهم لخدمة الايديولوجيات من أمثال جارودي الذي أعلن للملأ توظيف امكانياته لخدمة المذاهب التي تدفع أكثر ، والتطوع للتصدي ، لكل هذه الطوائف ، وانقاذ ما يمكن انقاذه من تحت حوافرها فاذا فرغوا من كل ذلك ، ولا أحسبهم فارغين ، أمكن الدخول على التاريخ بآليات الناقد الممحص المصفي النافي لما لا يليق عقلاً ، أو علماً ، أو اخلاقا ، وهو كثير. والقعقاع وابن سبأ لا يندرجان تحت أي محذور من تلك المحاذير ، وإذا كان لأحدهما رغبة في نفي المبالغات ، والتهويلات ، فما في ذلك من بأس ، ولكن يجب أن يكون وفق الأصول المعتبرة ومحاولات المالكي لقراءة التاريخ وفق آليات مغايرة لم تكن جديدة ، ولكنها كانت مبكرة على شاب بسنه ، وتجربته ، وخبرته.
لقد تبدى لي وأنا استعرض كتابات المالكي في قراءته الجريئة للتاريخ ، انه لا يملك براعة العالم المتخصص ، ولا دقة ملاحظته. فنحن ذلك الرجل ، فيما لا تخصص لنا به. والمثقف في العرف المعاصر ( من يعرف كل شيء عن شيء وشيئاً عن كل شيء ). ولكي أضرب مثلاً حياً على الفرق بين المتخصص والمثقف أضع ثقافة المالكي في مجال الفقه ، إلى جانب فقه الشيخ بكر عبدالله أبوزيد ـ مثلاً ـ نجد ان بينهما فرقاً حتى في لغة الفن فضلاً عن دقائقه. وأضرب له مثلاً آخر بنفسي ، لقد كان لي ولع في علم الحديث ، وكتابات صحفية في الضعيف والصحيح ، حتى لقد تواصل معي بعض المتخصصين لمراجعة بعض مخطوطاتهم في الحديث ظناً منه أنني متخصص ، وما انا بمتخصص ، ضع هذه الامكانيات الضئيلة إلى جانب امكانيات ( الالباني ) يتضح لك الفرق بين المثقف والمتخصص ، وبحوث المالكي المثيرة لم تكن في مجال تخصصه ، وإنما هي في مجال