تعارضٍ بين المعطيات القرآنية الخاصة بالخلق وبين المعارف الحديثة عن تكوين الكون. ذلك أمر يستحق الالتفات إليه فيما يخص القرآن.
على حين قد ظهر بجلاء أن نص العهد القديم الذي نملك اليوم قد أعطى عن هذه الأحداث معلومات غير مقبولة من وجهة النظر العلمية. وكيف لاندهش لذلك خاصة إذا علمنا أن النص الأكثر تفصيلية عن رواية الخلق في التوراة (١) قد كتب بأقلام كهنة عصر النفي إلى بابل ، وقد كان لهؤلاء الكهنة الأهداف التشريعية (Leqalistes) التي حددناها أعلاه. فاصطنعوا لتلك الأهداف رواية تتفق ونظراتهم اللاهوتية.
إن وجود هذا الاختلاف بين رواية التوراة والمعطيات القرآنية عن الخلق جدير بالتنويه أمام الاتهامات ـ وكلها عفوية ـ التي لم توفر على محمد صلىاللهعليهوآله منذ بدايات الإسلام. والتي تقول بأن محمداً صلىاللهعليهوآله قد نقل روايات التوراة. فيما تعلق بموضوع الخلق. فإن الاتهام لايتمتع بأي أساس. كيف كان يمكن لإنسان ، منذ أربعة عشر قرناً تقريباً ، أن يصحح إلى هذا الحد الرواية الشائعة في ذلك العصر ، وذلك باستبعاد أخطاء علمية ، وبالتصريح بمبادرته وحده بمعطيات أثبت العلم أخيراً صحتها في عصرنا ؟! هذا فرض لايمكن الدفاع عنه. إن القرآن يعطي عن الخلق رواية تختلف تماماً عن رواية التوراة.
يحتوي القرآن على كثير من التأملات في السماوات. وقد رأينا ، في
_______________________
(١) يحجب نص الكهنة هذه السطور القليلة من الرواية الأخرىٰ المسماة باليهودية ، فهي من الإيجاز والغموض بما لايسمح لعقل علمي أن يأخذها في اعتباره.