أما الفرق الجوهري الثاني فهو أن القرآن ، على عكس التوراة ، لايحدد زمن الطوفان ، ولايعطي أية إشارة عن مدة الكارثة نفسها.
وأما أسباب السيل فهي نفسها تقريباً في الروايتين ، وتذكر الرواية الكهنوتية للتوراة (التكوين ٧ ، ١١) سببين مقترنين. تقول : « في ذلك اليوم انبثقت عيون الماء من الهوة السحيقة ، وانفتحت هواويس السماء. » أما القرآن فيحدد في الآيتين ما يلي : ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) (١).
والقرآن يحدد بشكل صريح محتوى سفينة نوح ، فقد أعطى الله أمراً لنوح بأن يضع في السفينة كل ما سيعيش بعد الطوفان ، وقد أنجز نوح هذا الأمر بأمانة : ( احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) (٢).
ومن سبق عليه القول هنا ، أي من استبعد من الأسرة ، فهو ابن ملعون لنوح ، تقول عنه الآيتان ٤٥ و ٤٦ من نفس هذه السورة إن تضرع نوح لربه لم يغيّر من الأمر شيئاً ، والقرآن يشير إلى من يوجد على السفينة ، بالإضافة إلى الأسرة التي قطع منها هذا الابن الملعون ، وهم قليلون ممن آمنوا بالله.
ولاتشير التوراة إلى هؤلاء من بين ركاب السفينة. إن التوراة ، في الواقع ، تقدم ثلاث روايات عن محتوى السفينة.
ـ على حسب الرواية الكهنوتية : نوح واسرته دون أي استثناء وزوج من
_______________________
(١) القمر : ٥٤ / ١١ ـ ١٢.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٠.