إن لمثل هذه الوثيقة أهمية فائقة في تصحيح أخطاء القرون المتراكمة ، وفي فتح الباب واسعة للتعارف والحوار بين الأديان ، هذا الأمر الذي كان قد طرقه الاسلام منذ ألف وأربعمائة سنة ، لا في وثيقة لسلطة دينية أو سياسية في مرحلة ما ، بل في القرآن الكريم نفسه : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ) (١) ، ولكن كم هم قليلون حقاً ـ ما يقول بوكاي نفسه ـ الغربيون الذين عرفوا تلك المواقف الجديدة التي اتخذتها أعلى سلطات الكنيسة الكاثوليكية ؟ (٢).
فهذه السياسة التي تنتهجها الدول الغربية المسيحية ضد الاسلام ، منذ عهد نهضتها وحتى يومنا هذا ، شاهدة على أنها لم تعر أدنى أهمية لمثل هذه الوثيقة ، وأنها بقيت منغمسة في أوهامها وأخطائها التي راكمتها القرون من خلال تلك الأحكام المسبقة والجاهزة ضد الاسلام ، فلم يعد زرع الكيان الصهيوني ظلماً وعدواناً في قلب العالم الاسلامي هو المؤثر الوحيد على عدوانية فجّة ضد الاسلام ، خصوصاً بعد أن ركبت السياسة الامريكية ـ الانجليزية المعاصرة موجتها الاخيرة في محاربة الاسلام في داخل بلدان المسلمين ، لابالضغوط الاقتصادية والسياسية وحدها ، بل بالغزو العسكري والاحتلال الجديد ، الذي من شأنه أن يعيد تكريس العدوانية مرة اُخرى ، لاسيما مع ظهور ما يصحبه من هجوم إعلامي وحملات تثقيفية واسعة تعمق هذه الروح ، وتجعل من الاسلام عدواً مخيفاً يهدد أمن المسيحيين في أمريكا
_______________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٤.
(٢) موريس بوكاي : ١٤٥.