وهذا ما لا يستقيم مع مبادئ التوراة نفسها التي آمنت بإله واحد ، خالق ، لا شريك له.
في قصة بابل ، وبعد اختلاف اللغات ، يقول سفر التكوين في التوراة : ان بني آدم اجتمعوا بعد الطوفان لكي يبنوا لهم مدينة حصينة عالية لئلّا يتبددوا ، فنزل الله لينظر المدينة !! وقال الله : هذا شعب واحد ، ولسان واحد ، وهذا ابتداؤهم بالعمل الآن ، لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه.. تعالوا ننزل ونبلبل لسانهم ، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض !! (١)
فها هو الله كما تصوره التوراة ، تخفى عليه أنباء عباده ، فيحتاج الى النزول والاطلاع عليهم لتجسس أخبارهم !
ثم ها هو مرّة أخرى يخشى قوتهم وتماسكهم ، فيستعين بملائكته ـ على ما يبدو ـ ليزرع أسباب الاختلاف بين أبناء المدينة الواحدة المتلاحمين ، ليضع بينهم بذور الفتن والاضطراب بيده !
ليس في سائر الأديان ما هو أكثر غرابة من هذا التصور لصفات الله تعالى ، ولطبيعة أفعاله ، وطبيعة علاقته بعباده.
كما أنه ليس هناك ما هو أكثر سخفاً من هذا التفسير لمنشأ اختلاف الألسن وتعدد اللغات.
انها تصورات تكشف عن رؤية لاهوتية مفرطة في السلبية ، فهي حين تريد أن تنسب كل شيء لله وحده ، لا تتوانى في تصغير الله تعالىٰ ، وإدخاله
_______________________
(١) سفر التكوين ، الفصل ١١ ـ العدد ٤ ـ ٨.