وهكذا يتمثل الله جل شأنه بصورة إنسان ، وينزل الى الأرض ، ويصارع يعقوب حتى طلوع الفجر ، فلا يقوىٰ عليه ، بل يكون يعقوب هو المتغلب القابض على « خصمه » ! فيتوسل به ذلك الإنسان ـ الذي هو الله كما يزعمون ـ أن أطلقني ! فيأبىٰ يعقوب حتى يأخذ منه البركة التي يريدها عنوةً !
كيف يتصور عاقل أن هذا الكلام هو من وحي السماء ، أم من كلام الأنبياء ؟! دع عنك المورد الأخير « لأني رأيت الاله وجوها لوجوه » ! فإذا كان يصور لله وجوهاً ليراد بها معاني غائبة عنا ، فكيف تكون له هو وجوه ، لا وجه واحد ؟!
ما زالت التوراة تتحدث عن الله جل جلاله وكأنه جسم كالانسان ، ينزل إلى الأرض مرة بعد اُخرىٰ ، فلما أراد أن يوحي إلى موسىٰ نزل إليه الى الأرض ليكلمه !
تقول التوراة : « إن موسىٰ كان يرعى الغنم ، فجاء بها إلى حوريب ، وظهر ملاك الله له بلهبة نار من وسط عليقة (١) ، وإذا العليقة تتوقد ولا تحترق ، فمال موسى لينظر ، فلما رآه الله مال ، ناداه الاله من وسط العليقة ، وقال له : أنا إله أبيك إبراهيم ، إله اسحاق ، إله يعقوب ! فغطىٰ موسىٰ وجهه ، لأنه خاف أن ينظر إلى الاله » ! (٢)
وهكذا تميل التوراة إلى تجسيم الاله وتجسيده ، وكأن صورة فرعون
_______________________
(١) العليقة : ما تعلفه الدابة من شعيرة ونحوه. انظر لسان العرب ١٠ : ٢٦٧ ـ علق.
(٢) سفر الخروج ـ الفصل ٣.