الحقب كانوا بلا توراة ، يعبدون الأصنام ، فهم إذا عادوا إلى التوراة بعد كل هذا التقلب في الشرك ، وبلا نبي يجدد جذوة التوحيد فيهم ، فإنهم سيعودون إليها بما رسخ في أذهانهم ومخيلاتهم وتشرب في دمائهم من معتقدات توارثوها ، ونشأت عليها أجيالهم ، دون أن تصطدم بدعوة توحيدية خالصة وقوية تزيل آثار تلك الحقب الطويلة ، وتعيد العقول الى صفاء التوحيد والوحي الصادق.
بعد القرون المتوالية ، وفي السنة الثانية عشر من ملك « يوشيا » ابتدأ يطهّر أورشليم من معابد الشرك ، السواري والمرتفعات والمسبوكات ، وهدم بيوت المأبونين ، وبعد ما طهر بيت الله توجه لترميم البيت ، وعند إخراج الفضة المدخلة إلى بيت الله ، قال « حلقيا » الكاهن لشافان الكاتب : قد وجدت سفر التوراة في بيت الله !
فلما قرأ فيه شافان أمام الملك مزق الملك ثيابه ، وأمر جماعة من خواصه قائلاً : اذهبوا واسألوا الله من أجلي وأجل من بقي من يهوذا وإسرائيل على كلام السفر الذي وجد. ثم جمع كل الشعب الى بيت الله ووقف على منبره وقطع مع الله عهداً على عبادته وحفظ وصاياه وفرائضه حسب كلام العهد المكتوب في هذا السفر. (١)
إذن هي النسخة الوحيدة للتوراة لدىٰ شعب بني إسرائيل.
ولكن عمليات الترميم قد حدثت قبل هذا التاريخ أكثر من مرّة ، ومنها المرة التي وضعت فيها الفضة في البيت ، فلماذا لم تكتشف التوراة آنذاك ؟!
لقد جاء حلقيا بهذا النبأ في وقت مناسب ، كان فيه بنو إسرائيل في أمسّ
_______________________
(١) سفر الملوك ـ الفصل ٢٢ و ٢٣ ، سفر أخبار الأيام الثاني ـ فصل ٣٤.