آخر ». والواقع أنه كتاب مختلف تماماً : فهو يختلف في ترتيب وفي اختيار الموضوعات والروايات والخطب ، وبه اختلافات أسلوبية وجغرافية ، وأخرى خاصة بالتعاقب الزمني للأحداث ، بل إنه يحتوي على اختلاف في الآفاق اللاهوتية (١).
وهذا الانجيل هو آخر الأناجيل الأربعة تدويناً ، وقد كتب بعد سنة ١٠٠ م ، فصاحبه يوحنا إذن ليس هو يوحنا الحواري الذي تتحدث عنه الأناجيل (٢).
من أين استمد مرقص مادة كتابه ، إذا كان يُشَك في كونه من حواريي المسيح ؟
إن الحقيقة التاريخية التي تتحدث عن هذا السر ستؤكد مرة أخرى أن مرقص لم يكن حوارياً للمسيح. فثمة حقيقة معترف بها تكشف عن أن المؤسس الأوّل لمادة الانجيل التي أخذها مرقص ، ثم متّىٰ ولوقا ، اللذين جاء كتاباهما مشابهين كثراً للانجيل الأوّل ، حتى عرفت بالاناجيل المتشابهة ، إن المؤسس الأوّل لهذه المادة هو رجل آخر ، ورجل تدور حوله أسئلة شتىٰ.
لقد ولد شاؤول في طرطوس غير متأخر كثيراً عن ولادة عيسىٰ نفسه. وقد أصبح شاؤول عضواً في طائفه يهودية تسمّىٰ الفريسيّين (تتميز بتمسكها الأعمىٰ بالمظاهر والطقوس).
إن « نسور الشريعة » هؤلاء اصبحوا مدفوعين بالتعصب في ملاحقة « النصارى » ، وبعد إعدام اصطيفان ابتدأ شاؤول يأخذ دوراً فعالاً جداً في هذا المضمار. لقد كان أداؤه لهذا الدور من القوة بحيث تم تعيينه لوظيفة رئيس
_______________________
(١) موريس بوكاي : ٣٩ و ٩٥.
(٢) موريس بوكاي : ١٢٤.