العهد القديم والأناجيل ، فتنزيله يمتد على مدى عشرين عاماً تقريباً ، وبمجرد نزول جبريل على النبي كان المؤمنون يحفظونه عن ظهر قلب ، بل قد سُجّل كتابةً حتى في حياة محمد.
إن التجميعات الأخيرة للقرآن التي تمت في خلافة عثمان ، فيمابين ١٢ ـ ٢٤ عاماً من بعد وفاة النبي قد أفيدت من الرقابة التي مارسها هؤلاء الذين كانوا يعرفون أن النصّ منذ ذلك العصر قد ظلّ محفوظاً بشكل دقيق.
إن القرآن لايطرح مشاكل تتعلق بالصحة (١).
هذا المزية حفظت للقرآن الكريم مزيتيه اللاحقتين لها ، وهما : إعجاز القرآن ، وخلوه من الاختلاف والتعارض والتناقض الذي رأينا بعض أمثلته في التوراة والانجيل. فإعجاز القرآن في نصه الموحىٰ ونسقه الموحىٰ لم يكن يتحقق له الحفظ إلّا بهذا الاسلوب الذي تم فيه حفظ القرآن وتدوينه ، فبقي النص القرآني ثابتاً كما أنزل في كل مفرداته ، وليس آياته فقط ، وهذه مزية لايستطيع أن يدعيها أحد للتوراة أو للانجيل.
ثم عدم الاختلاف أيضاً ، وعدم التعارض ، هو الأمر الآخر الذي سيترتب على حفظ النص المنزل بحرفه ومفردته ونسقه وسياقه ، دون أدنى مجال لتصرف بشري فيه ، وهذا ما تحقق للقرآن وحده ، بفضل ذلك الجهد الجبار المبكر والمتواصل ، وحرمت منه التوراة والانجيل لغياب هذا النوع من الجهد وانعدامه ، فكانت الابواب مشرعة للتدوين بالمعنى وبحسب القدرة على الحفظ والتذكر ، ناهيك عن احتمال تدخل الاهواء في الغض عن بعضها أو
_______________________
(١) موريس بوكاي : ٣٠١.