التصرف في بعضها ، مما وقفنا على نماذج منه على كلا الكتابين.
فبقي القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) (١) ولا يدخل إلى ساحته قدح في صحة نصوصه وثباتها وقطعيتها. وهكذا كان وعد الله تعالى مع القرآن : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) و ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) (٣). هذا العهد الذي لم يدعيه أحد من كتاب التوراة والانجيل ، ولو ادعاه لكان محلاً للنقد ، بل ربما للسخرية أيضاً.
هذه المزايا التي اختص بها القرآن جعلته في منأى عن كل اضطراب وتناقض في مضامينه عامة ، دون استثناء ، مما يوفر علينا مهمة البحث في قضايا عقائدية تناولناها كما هي في التوراة أو في الانجيل ، فالقرآن الموحى من الله تعالى حفظت نصوصه الموحاة بحرفها ، فجاءت معاني التوحيد فيه متسقة منتظمة منسجمة كل الانسجام ، فكلها تتحدث عن إله واحد ، خالق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، لاشريك له ، متعالٍ على خلقه ، لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، عليم بذات الصدور وما تخفي الاعين ، لايخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قادر ، مهيمن ، مريد ، فعال لما يريد.
وقد اصطفى من بين خلقه رسلاً وأنبياء بين الأمم ، في أجيالها المتعاقبة ، فكانوا جميعاً وبلا استثناء أكثر أبناء عهودهم كمالاً وحلماً وعلماً ومعرفةً ،
_______________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ٤٢.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٩.
(٣) سورة القيامة : ٧٥ / ١٧.