الخلق. فبدلاً من الرواية الواحدة المستمرة نجد في أماكن متعددة من القرآن فقرات تذكر بعض جوانب رواية الخلق. وهي تشتمل على كثير أو قليل من التفصيلات حول أحداث الخلق. ولكي تكون هناك فكرة واضحة عن الطريقة التي سيقت بها هذه الأحداث ، لابد من تجميع الفقرات المتناثرة في عدد هام من السُّور. والقرآن يعالج بهذا الشكل عديداً من الموضوعات الهامة ، سواء أكان المقصود ظاهرات دنيوية ، أو سماوية ، أو مسائل خاصة بالإنسان تهم رجل العلم ، وسيجد القارئ في الصفحات التالية مجموعات الآيات الخاصة بكل موضوع من هذه الموضوعات.
يدّعي كثير من المؤلفين الأوربيين أن رواية القرآن عن الخلق قريبة إلى حد كبير من رواية التوراة (١) ، وينشرحون لتقديم الروايتين بالتوازي. إني أعتقد أن هذا مفهوم خاطئ ، فهناك اختلافات جلية ، ففيما يتعلق بمسائل ليست ثانوية مطلقاً من وجهة النظر العلمية نكتشف في القرآن دعاوى لايجدي البحث عن معادل لها في التوراة. كما أن التوراة ، من ناحية أخرى ، تحتوي على معالجات تفصيلية لامعادل لها في القرآن.
إن التجانسات الظاهرية بين النصين معروفة جداً ، فبين هذه التجانسات نجد في الوهلة الأولى أن ترقيم مراحل الخلق المتعاقبة هو نفسه في النصين ؛ فأيام الخلق الستة في التوراة تعادل الأيام الستة في القرآن. ولكن المشكلة ،
_______________________
(١) رواية التوراة المقصودة هنا هي الرواية المسماة بالكهنوتية ، أما الرواية المسماة باليهودية فهي شديدة الإيجاز في نص التوراة الحالي. بحيث إنها لاتستحق الاعتبار في هذا المقام.