وقد أخذ نوح عليهالسلام بظاهر لفظ ( أهلك ) وبما أن الله استثنى امرأة نوح فقط ، ثم فرّع عليه النهي عن السؤال فيما ليس له به علم ، وهو سؤال نجاة ابنه على ما كان يلوح إليه كلامه أنه سيسألها ، فانقطع عنه السؤال بهذا التأديب الإلهي ، واستأنف عليهالسلام بكلام جديد صورته صورة التوبة وحقيقته الشكر لما أنعم الله عليه بهذا الأدب الذي هو من النعمة فقال : ( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) (١) فاستعاذ إلى ربه مما كان من طبع كلامه أن يسوقه إليه وهو سؤال نجاة ابنه ولا علم له بحقيقة حاله.
ومن الدليل على أنه لم يقع منه سؤال بعد هو قوله : ( أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ ) ولم يقل : أعوذ بك من سؤال ما ليس لي به علم ، لتدل إضافته إلى فاعله وقوع الفعل منه (٢).
ومنه يتبين حال ما ذهب إليه الزمخشري وغيره من مفسري العامة ، وأنّه لا أصل لكل ما ذكروه ولا واقع ، وإن الآية غير مسوقة في حيز العتاب ، ولو أنّهم رجعوا إلى أهل بيت نبيّهم عليهمالسلام كما أمرهم بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله لما وقعوا فيما وقعوا فيه ، ولتأدبوا مع الأنبياء لا سيما ساداتهم من ذوي العزم ونوح صلوات الله عليه أولهم.
نسب المخطئة للأنبياء عليهمالسلام ما لا يليق بمقام خليل الرحمن عليهالسلام ، واستدلّوا على ذلك ـ كعادتهم ـ بآيات توهم بظاهرها أنّه عليهالسلام ارتكب ما ينافي العصمة ، ومن أكثر ما تمسّكوا به :
___________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٧.
(٢) ينظر : الأمالي / السيد الشريف المرتضى ١ : ٤٧٤ و ٤٧٦ ، ومجمع البيان ٥ : ٢١٥ ، والميزان ٦ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، والكاشف / محمد جواد مغنية ٤ : ٢٤٥.