وقال النووي في شرح حديث أبي هريرة في صحيح مسلم : « قال المازري : أمّا الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء معصومون منه سواء كثيره وقليله ، وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ويعدّ من الصفات كالكذبة الواحدة في حقير من أُمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف » ، ثمّ نقل بعد ذلك عن المازري بشأن ما قيل في تأويل لفظة الكذب في حديث الكذّاب أبي هريرة أنّه قال : « ولا معنى للامتناع من اطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلىاللهعليهوآله » وأيّده النووي (١).
وحاشا لرسول الله صلىاللهعليهوآله أن يطلق ذلك على إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وإنّما الذي أطلقه كذّاب بل زنديق كما سيأتي في كلام الفخر الرازي.
تنزيه إبراهيم عليهالسلام من رذيلة الكذب :
اغتر مخطئو الأنبياء بهذين الخبرين كثيراً ، مع أنّهما يشهدان بنفسهما على نفسهما من غير أية قرينة أخرى على أنهما كذب مع جهل من وضعهما العجيب بالقرآن الكريم. إذ كيف يقول إبراهيم في الخبر الأول لزوجته سارة ( يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ) بعد أن يثبّت القرآن الكريم إن إبراهيم ولوطاً عليهماالسلام كانا في زمان واحد ، قال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (٢) ، ولهذا قال تعالى في إبراهيم عليهالسلام : ( يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ) (٣).
___________
(١) شرح صحيح مسلم / النووي ١٥ : ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٣١ ـ ٣٢.
(٣) سورة هود : ١١ / ٧٤ ـ ٧٥.