يجمل بين طياته معاني الخفاء ، والإلقاء السريع بما يعز على إدراك غير الموحى إليه ، والمعاني الملقاة بهذه الصورة من الوحي لا يمكن للأعضاء الحسية مجاراة السرعة التي تلقى بها ، كما أن تلك الحواس أمر مشترك بين النبي وغيره فإذا كانت ذات دور في تلقي الوحي فلم لم يدركها غيره وفي هذا النطاق من الخفاء يدخل كل ما له صلة بالوحي.
فهنا يمكن الجمع بين عناصر الرأيين بالقول : إن القلب هنا بمعنى الأداة المدركة التي يعبر عنها في القرآن أحياناً باللب ، قال تعالى : ( ... وَمَا يَذَّكَّرُ إلّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (١) ، وقال تعالى : ( ... أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (٢) ، فكأن القلب المدرك لما ينزل عليه من الوحي هو النفس النبوية القدسية الصقيلة بالفطرة والاصطفاء والاستعداد الخاص لتنعكس عليها نصوص الوحي مكثفة تحتمل معاني وعلوماً ليس للأدوات الحسية أن تدركها بكثافتها المرادة ، وهي تحمل شرائع وتعاليم متكاملة تنظم حياة مجتمعات كاملة.
كما أن هذا النزول نزول بالمعاني لا بالألفاظ ، بدلالة الآية : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) (٣).
مما يتميز به الوحي المحمدي عن جميع ما سبقه من وحي إلى الأنبياء عموماً ميزة النزول المتدرج المتفرق في وحي استمر مدة ثلاثة وعشرين عاماً
________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٦٩.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ١٨.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ ـ ١٩٤.