يمتلك الأدوات نفسها وإنّما كانت نفسه القدسية الشريفة تتلقى ذلك الوحي. ولو كانت حواسه المادية هي المتلقية لكان كلّ ذلك ( مُشترك بينه وبين غيره ولكان سائر الناس ممن معه يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه ) (١) وقد سبق أن نتج لدينا أن مثل هذا لم يكن ولم يرد ما يُثْبِتُه بحقّ أحد من الصحابة سوى عليّ عليهالسلام.
فهذا التفاوت بين إدراك النبيّ وغيره ممن يحضره عائد في الحقيقة إلى الاختلاف في القوة المُدرِكة نفسها وليس للأدوات الحسية التي تهيّئ لانعكاس المُدرَك في النفس ، فالنفس الإنسانية واحدة في الأصل والجوهر لكنها تختلف شفافية كما تختلف تخويلاً ( واصطفاء ) من قبل الله تعالى (٢).
هذه الصورة من الوحي هي ما عبّرت عنها الآية في سورة الشورى بقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا ... ) (٣).
وقد سبق بيان أنها من أعم وأكثر صور الوحي الوارد إلى الأنبياء عليهمالسلام ، ويكون الوحي فيها كما يرى الجُبائي تنبيه خاطر وما أشبه ذلك على سبيل الوحي ، بمعنى ما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على شيء ، فليس بكلام وإنّما هو على سبيل الإفصاح وليس إفصاحاً (٤).
ويكاد المفسرون يُجمعون على أن الوحي بهذا المعنى وحي إلهامي إذ فسروه بأنه ما يكون بالإلهام والقذف في القلب كما يعبر الزمخشري
________________
(١) الميزان ١٥ : ٣١٨.
(٢) تاريخ القرآن / الصغير : ١٩.
(٣) سورة الشورى : ٤٢ / ٥١.
(٤) انظر : أمالي المرتضى ٢ : ٢٠٥.