الهام بمعنى أنه تعالى ألهمها وخلق فيها العلم بهذه الأشياء ولأنّ العادة جرت في القرآن أن كل أمر يلقى إلى الغير على وجه الخفاء والاستسرار يوصف بأنّه وحي ( ولما كان ما ألهم تعالى النحل على هذا الحد جاز أن يقال أوحى لها ) (١).
وعبر الفخر الرازي عما في أفعال النحل من عجيب التسخير الإلٰهي لها بأن كونه وحيا مُتَمثلٌ في أنه تعالى : قرر في أنفُسِها هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر (٢).
ويُفَصِّل القرطبي معنى الإلهام المراد هنا بأنه : ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداءً من غير سبب ظاهر ... فمن ذلك البهائم وما يخلقه الله سبحانه فيها من درك منافعها واجتناب مضارها وتدبير معاشها (٣).
فهذا الوحي من خلال التفسيرات المتعدّدة يتبين لنا بوصفه هداية فطرية تتناسب مع حاجات الحيوان ومستلزماته في الحياة طبعه الله عزّوجلّ عليها بالخلقة.
ثانياً ـ الغريزة : يعبّر بعض المفسرين عن تصرفات النحل وما يلاحظ عليها من عجيب الأفعال في مختلف شؤون حياتها بالغريزة التي تخفى عن غيرها وبسبب هذا الخفاء المتمثل فيها عبر عنها في القرآن الكريم بالوحي. قال الحسن البصري : جعل ذلك غرائز بما يخفى مثله عن غيرها (٤).
ويفهم بعض المفسرين المُحدَثين هذا المعنى من خلال ربطه بالإلهام ، فهم يعبرون عما كان من الوحي للنحل وما شابهه في عجيب تصرف سائر
________________
(١) تنزيه القرآن : ٢٢٠.
(٢) مفاتيح الغيب ٢٠ : ٧١.
(٣) جامع أحكام القرآن ١٠ : ١٣٣.
(٤) انظر : مجمع البيان ٣ : ٣٧١.