وهذا الاصطفاء لا يكون من أجل الإطْلاع على ما يتضمنه الوحي من إلقاء لمعارف غيبية وحسب وإنّما الأمر مَنوط بتوافر معنى الرسالة والإرسال فالآيات الكريمة تَقْصُر طريق الاطْلاع على الغيب بالرسالات والتعاليم الموحاة إلى الأنبياء عليهمالسلام بدلالة قوله تعالى : ( لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ .. ) (١) ، ويؤكد ذلك أيضا قوله تعالى : ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ .. ) (٢).
فالآية تؤكّد اقتصار إلقاء الوحي ، وهو معنى الروح المراد هنا ، على الرسالة وتعاليم الأنبياء عليهمالسلام ( من خلال شأنها المتمثِّل بالإنذار ) (٣).
يحمل الوحي بين ثنايا ما يلقي به من معارف ، بوصفه ظاهرة خارقة لحدود عالَمين مختلِفَين ورابطة بينهما ، حكمة كبيرة تمثل أساسا من أسس العلاقة بين الله سبحانه وعباده ، فمعارف الوحي الملقاة إلى الأنبياء عليهمالسلام لتبليغها إلى البشر تهدف إلى الإنذار والتبشير ، وهؤلاء الأنبياء هم المنذِرون المبشِّرون ، قال تعالى : ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٤).
والإرسال لهؤلاء المصطفين إلى سائر البشر لتبليغهم الأحكام والأوامر
________________
(١) سورة الجن : ٧٢ / ٢٨.
(٢) سورة غافر : ٤٠ / ١٥.
(٣) الميزان / الطباطبائي ١٧ : ٣١٨.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٤٨.