مقدّمة المركز
الحمد لله بما هو أهله ، وصلّى الله على نبيّنا محمد وآله ، وبعد..
بنت الأديان السماوية كلّها معارفها الإلهيّة وحقائقها الدينية على ضوء ما جاء به الوحي الإلٰهي وأبانته النبوّات ، وما التفاوت الحاصل في هذا البناء عند أهل الأديان إلّا بسببهم ؛ لتفاوتهم في درجة حفظ ذلك البناء والتفاني من أجل سلامته. إذ المعلوم الثابت أن يد البغي والتحريف قد طالت الكثير من حقائق الوحي المبين وأقوال الأنبياء عليهمالسلام السابقين من خلال الافتراء عليهم بنسبة الكذب المخترع إليهم ، وهم عليهمالسلام براء منه. وأما الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لعباده ، فقد بقي فيه الوحي الإلهي وسيبقى محافظاً على نفسه إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) بخلاف السنّة القولية للنبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله التي هي من الوحي غير القرآني الممضى في القرآن الكريم نفسه ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ، حيث تعرّضت إلى الدسّ والتزوير في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، حتّى قام فيهم خطيباً محذّراً من الكذب عليه ، قائلاً : « ألا قد كثرتْ عليَّ الكذّابة ، فمن كذّب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، وأما بعده صلىاللهعليهوآله ، فالحديث ذو شجون ! وبالرغم من ذلك فقد امتاز دين الإسلام بفضل الوحي والسنّة الصحيحة المعصومة برقي معارفه ومتانة حقائقه.
وحيث أن دين الله واحد منذ أن فطر الله الخلق وإلى يوم يبعثون ، فمردّ الاختلاف الحاصل إذن في عقائد أهل الأديان ، ليس إلى الوحي والنبوات ، بل أساسه ، اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم تجاه الحقّ في كلّ دين ، وتلوّث فطرهم ، وإخلادهم إلى الأرض ، ولهذا كان فيهم المؤمن والكافر ، والمنصف والعنيد ، فلا غرابة إذن فيما لو تعرّض الوحي وما دعا إليه كلّ نبي إلى الجحود والإنكار من أصناف كثيرة في مسيرة الأديان ، يقودهم في عصرنا هذا المادّيون ، ومن تأثّر بما أنتجته العلوم الطبيعية القائلة بأصالة المادّة المتحوّلة من حال إلى حال ! ومن فرط حماقاتهم أنّهم جعلوا الإدراكات الإنسانية خواطر مادية مترشّحة من الدماغ ! وجعلوا الغايات الوجودية ، وجميع الكمالات الحقيقية استكمالات فردية مادية ، بهدف القضاء على فكرة الدين والوحي ، فالنبوة عندهم نوع من النبوغ الفكري ، والصفاء الذهني ، والنبيّ ـ بزعمهم ـ مفكّر نابغ يدعو قومه إلى ما فيه صلاح محيطهم الاجتماعي ، والوحي بنظرهم يمثل انتقاش الأفكار الفاضلة في ذهن النبيّ ، والكتاب السماوي الموحى به إلى ذلك النبيّ ، هو مجموع تلك الأفكار الفاضلة المنزّهة عن الهوس والأغراض الشخصية ! وعلى هذا الطراز جاءوا بمعانٍ جديدة للملائكة والجنّة والنار والصراط والميزان واللوح والكرسي والقلم وما شابه ذلك ، فأنكروا كلّ هذه الحقائق ووجوداتها المادية الخارجة عن الحسّ ، وفسّروها بما يعيدها إلى الوجود المادّي المحسوس ، ليوافق بزعمهم الدين ما قطع به العلم ، ويُستحفظ بذلك عن السقوط !!
ولا
شكّ أن الإذعان المطلق لما أنتجته العلوم الطبيعية سيّما بعد اتساع نطاقها وجريان
البحث فيها على أساس الحسّ والتجربة ، لا يعني أبداً ربط كلّ شيء بالمادة حتّىٰ
ولو لم يكن مادياً محسوساً ،