فقال : إنه أوْلى وسبب ذلك ( أن الإشارة بالشفتين يمكن وقوعها بحيث تكون حركات الشفتين وقت الرمز مطابقة لحركاتهما عند النطق فيكون الاستدلال بتلك الحركات على المعاني الذهنية أسهل ) (١).
ولكن هذا التعليل بسهولة تطابق حركات الشفتين مع حركات النطق يمكن توافر ما هو أسهل منه لو اخترنا معنى الإشارة بأن زكريا عليهالسلام أشار إليهم بيديه إذ يكفي أن يرفع يديه بالدعاء إلى السماء مشيراً إليهم ليفعلوا مثل ذلك فيفهم أن المراد : سبحوا الله وادعوه ، والملاحظ أن كل الوجوه السابقة في تفسير معنى وحي زكريا عليهالسلام لقومه بكلامه رمزاً إنّما تدور في إطار المعاني اللغوية للوحي وكَأنّ في ذلك إشارة إلى حقيقة أن ما يكون مصدره غير الله من الوحي لا يتعدّى إطار المعاني اللغوية لايتجاوزها إلى ما تحمله المعاني الاصطلاحية للوحي المختص بما يلقيه تعالى إلى أنبيائه.
والمختار من المعاني المتقدّمة ما تقدّم برواية العيّاشي عن الصادق عليهالسلام ، أي : كان زكريا عليهالسلام يشير برأسه.
وهو ما أكّده ابن دريد فقال : ( الوحي من الله ـ عزّ وجلّ ثناؤه ـ نبأ وإلهام ، ومن الناس إشارة ) (٢).
قال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا .. ) (٣). فالآية تقسم من يوحي
________________
(١) مفاتيح الغيب ٨ : ٤٥.
(٢) جمهرة اللغة ١ : ١٧١.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١١٢.