اعتمدوه من تلك الطرق هو ما ورد في قوله تعالى منها : ( أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (١) ، واتّفقوا أنه تعالى كَلَّم عباده من وراء حجاب فيما قصه من تكليمه موسى عليهالسلام في طور سيناء ، وقد فهم المفسرون الحجاب على أنه النار التي تجلى منها تعالى ، أو الشجرة التي سمع موسى الكلام من جهتها. إذ قال تعالى : ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (٢).
ونسبة الكلام ( الوحي ) إلى الشجرة أو النار بكونهما حجابا احتجب تعالى به عن عبده قول يستبعد أية إشارة أو فهم خاطئ يوحي بالحلول أو التجسيم أو تحيُّزه تعالى في مكان ، فليس المقصود بوجود الحجاب أنه حجاب له تعالى ، أو لمحلِّ كلامه أو لمن كلَّمه ، ويرى الشريف المرتضى أن ما أريد بالحجاب في الآية ( أنه تعالى ربما يفعل كلاما في جسم محتجب عن المكلم غير معلوم على سبيل التفصيل ، فيسمع المخاطب الكلام ولا يعرف محله على طريق التفصيل ) (٣).
ويؤكد الشيخ الطوسي هذا المعنى وأن الكلام فُعِلَ في الشجرة ، وهذا وجه كونها حجاباً ولذلك قيل : إن الكلام والنداء سمعه موسى عليهالسلام من ناحية الشجرة ، واستُبعدَ أي احتمال للتجسيم ، فليس المقصود أنه تعالى كان
________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٥١.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٢٩ ـ ٣٠.
(٣) أمالي المرتضى ٢ : ٢٠٥.