ثانيهما :
أنّ القرآن صرَّح أنّ من الأنبياء من لم يرد ذكره وقصصه فيه ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم
مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )
(١). وهؤلاء تميَّزوا عن سائر الأنبياء عليهمالسلام بأنّ لكلّ منهم
شريعة إلهيّة عامّة بعث بها فتعدّت رسالته حدود أُمّته وزمانه ، ومن المفسّرين من يرى اختصاص هؤلاء بوصفه تعالى بـ ( الرسل أولي العزم ) ، إذ قال تعالى : (
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ .. ) (٢). ومن ذهب إلى اختصاصهم بهذا الوصف دون
غيرهم استدلّ بأنَّ ( من ) في الآية جاءت للتبعيض ، وقد اختلفوا في عددهم فقيل خمسة ، وقيل ستة ، وقيل تسعة واثني عشر وثمانية عشر (٣). وهناك رأي آخر قال : بأن المقصود بأولي
العزم هم الأنبياء جميعاً فلم يبعث الله رسولاً إلّا إذا كان ذا عزم وحزم .. وأولو ( من ) هنا بأنها جاءت للتبيين ، وليست للتبعيض ، ومن هؤلاء المفسرين ابن عباس (٤). والصحيح في هذا ما ورد عن أهل البيت عليهمالسلام كما تقدّم برواية عبد الرحمن بن كثير الهجري من أن أُولي العزم خمسة ، وكذلك رواية سماعة ابن مهران قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
: قول الله ( فَاصْبِرْ كَمَا
صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ ________________٢ ـ الرسل ذوو الشرائع الكبرى :
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٧٨.
(٢) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٥.
(٣) انظر : الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٦ : ٢٢٠.
(٤) انظر : مفاتيح الغيب / الفخر الرازي ٢٨ : ٣٥.