مريض وكان يعلم بأنّ تناول الدواء فيه مصلحة للشفاء فسوف تنقدح في نفسه إرادة تناوله حتما وقهرا ؛ لأنّ المعلول يتحقّق قهرا فيما إذا تحقّقت علّته ، وهنا المصلحة معلومة ومتصوّرة فيتّبعها جزما الإرادة.
ولا يمكن أن تكون الإرادة تابعة لقيود الاتّصاف بوجودها الخارجي ؛ إذ من الواضح أنّ الإنسان المريض واقعا وحقيقة ولكنّه لا يعلم بأنّه مريض سوف لا تنقدح في نفسه إرادة شرب الدواء ، ممّا يعني أنّ الوجود الواقعي والخارجي لقيود الاتّصاف ليست هي المؤثّرة في حصول الإرادة ، وإلا للزم أن تحصل له الإرادة حتّى مع جهله بأنّه مريض ، وهذا واضح البطلان وجدانا.
بل إنّ كثيرا من المصالح تفوّت على الإنسان لا لشيء سوى لجهله وعدم إدراكه ولحاظه لها مع كونها موجودة بالفعل خارجا.
نعم ، تختلف شروط الاتّصاف الراجعة إلى الملاك عن تلك الراجعة إلى الإرادة ، ولذلك قال :
فشروط الاتّصاف بوجودها الخارجي دخيلة في الملاك ، وبوجودها التقديري اللحاظي دخيلة في الإرادة فلا مصلحة في الدواء إلا إذا كان الإنسان مريضا حقّا ، ولا إرادة للدواء إلا إذا لاحظ الإنسان المرض وافترضه في نفسه أو فيمن يتولّى توجيهه.
وفي ختام البحث حول هذه النقطة يظهر الفرق بين شروط الاتّصاف الراجعة إلى الملاك والتي تكون بوجودها الخارجي الحقيقي قيدا في اتّصاف الفعل بالملاك والمصلحة ، فإنّ الإنسان لا يكون شرب الدواء ذا مصلحة وملاك له إلا إذا كان مريضا حقيقة وفعلا ، ولا يكفي مجرّد تصوّره وافتراضه ولحاظه للمرض في اتّصاف الفعل بالملاك ؛ لأنّ الملاك والمصلحة من الأمور التكوينيّة الحقيقيّة ، فلا بدّ أن يكون سببها موجودا حقيقيّا أيضا.
وهذا بخلاف قيود الاتّصاف الراجعة إلى الإرادة ، فإنّها بوجودها التقديري اللحاظي الافتراضي تكون سببا لحدوث الإرادة ، فإنّ الإنسان إذا اعتقد بأنّه مريض تحدث في نفسه إرادة شرب الدواء سواء كان مريضا حقيقة أم لا ، وأمّا إذا كان مريضا حقيقة ولكنّه لم يعلم بذلك فسوف لا تحدث له الإرادة المذكورة.