ولذلك صحّ القول بأنّ قيود الاتّصاف بوجودها الواقعي الحقيقي تكون دخيلة في الملاك ، وبوجودها اللحاظي التقديري تكون دخيلة في الإرادة سواء كانت إرادة تكوينيّة أم إرادة تشريعيّة.
ونفس الفارق بين شروط الاتّصاف وشروط الترتّب ينعكس على المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة جعل الحكم ، فقد علمنا سابقا أنّ جعل الحكم عبارة عن إنشائه على موضوعه الموجود ، فكلّ شروط الاتّصاف تؤخذ مقدّرة الوجود في موضوع الحكم ، وتعتبر شروطا للوجوب المجعول ، وأمّا شروط الترتّب فتكون مأخوذة قيودا للواجب.
المرحلة الثالثة : مرحلة جعل الحكم ، وفي هذه المرحلة أيضا يمكننا أن نفترض شروط الاتّصاف وشروط الترتّب ، ولكن شروط الاتّصاف تكون راجعة للوجوب المجعول بنحو الفرض والتقدير ، بينما شروط الترتّب تكون راجعة إلى الواجب نفسه.
وتوضيحه أن يقال : نأخذ المثال السابق : ( استعمال الدواء واجب على المريض بعد الطعام ). فهنا المرض شرط لاتّصاف استعمال الدواء بالوجوب ، فالإنسان إذا كان مريضا يجب عليه استعمال الدواء ، بخلاف الإنسان الصحيح والمعافى فإنّه لا يجب عليه ذلك ، فلو لا وجود المرض لم يتّصف استعمال الدواء بالوجوب.
ولكن حيث إنّ للوجوب مرحلتين : إحداهما مرحلة جعل الحكم على موضوعه المفترض والمقدّر الوجود ، والأخرى مرحلة الحكم المجعول والوجوب الفعلي بعد تحقّق موضوعه في الخارج ، فتكون شروط الاتّصاف مأخوذة في الوجوب بلحاظ المرحلة الأولى ، أي الحكم المفترض على موضوعه المقدّر ، وهو ما يسمّى بالجعل أو بالحكم الإنشائي.
وهذا معناه أنّ هذه الشروط مأخوذة في موضوع الوجوب بنحو الفرض والتقدير ، ويكون المراد أنّ الوجوب ثابت في فرض ثبوت المرض ، فلا يصبح الوجوب فعليّا في المرحلة الثانية إلا إذا صار المرض فعليّا ، أي اعتقد المكلّف بأنّه مريض فعلا ، سواء كان مريضا حقيقة وواقعا أم كان مخطئا في تشخيصه.
ومع فعليّة المرض يصبح الوجوب فعليّا على المكلّف ، ويخرج من مرحلة الجعل إلى مرحلة الحكم المجعول ؛ ولذلك تكون شروط الاتّصاف شروطا للوجوب المجعول