أيضا ، بمعنى أنّ فعليّة الوجوب لا تتحقّق إلا بعد أن تصبح شروط الاتّصاف فعليّة أيضا.
والحاصل : أنّ شروط الاتّصاف تؤخذ مقدّرة الوجود بلحاظ الحكم والوجوب الإنشائي ـ أي مرحلة الجعل ـ فلا وجوب أصلا إذا لم يكن هذا الشرط مفترضا ، ولكن هذا الوجوب لا يصبح فعليّا ولا يخرج إلى مرحلة الحكم المجعول ، إلا إذا صارت شروط الاتّصاف فعليّة أيضا ، بأن رأى الإنسان نفسه مريضا مثلا.
تماما كما هو الحال في أخذ الاستطاعة في وجوب الحجّ ، فإنّ وجوب الحجّ بمعنى الوجوب الإنشائي في مرحلة الجعل قد أخذ فيه الاستطاعة ، بحيث لو لا الاستطاعة لم يكن الحجّ واجبا أصلا ، ولكن وجوب الحجّ الفعلي وخروجه من مرحلة الجعل إلى مرحلة المجعول والفعليّة تتوقّف على فعليّة الاستطاعة بأن يرى المكلّف نفسه مستطيعا بالفعل ، ولا يكفي افتراض الاستطاعة وتقديرها هنا.
وأمّا شروط الترتّب ، ففي المثال المذكور يكون قيد بعد الطعام من شروط الواجب نفسه لا الوجوب ؛ وذلك لأنّ الوجوب ثابت وفعلي عند حدوث المرض ، وأمّا تناول الطعام فهو قيد لتحصيل الغرض من استعمال الدواء وهو الشفاء ، فلأجل أن يترتّب الشفاء من استعمال الدواء الواجب على المريض لا بدّ أن يكون هذا الاستعمال بعد الطعام لا مطلقا ، فبعديّة الطعام قيد للاستعمال من أجل أن يترتّب الغرض منه وهو الشفاء وليست قيدا لأصل وجوب تناول الدواء ، فإنّه فعلي لفعليّة المرض.
وحينئذ يكون المراد أنّ تناول الدواء بعد الطعام هو الواجب على المريض ، فالوجوب مطلق من جهة هذا القيد ، ولكنّ التناول هو المقيّد به ، بحيث يكون الوجوب منصبّا على الحصّة الخاصّة من التناول لا مطلقه.
وبهذا اتّضح أنّ شروط الاتّصاف راجعة إلى الوجوب ، بينما شروط الترتّب راجعة إلى الواجب أي متعلّق الوجوب.
ولتوضيح المطلب أكثر قال السيّد الشهيد :
وإذا لاحظنا المرحلة الثالثة بدقّة ، وميّزنا بين الجعل والمجعول ـ كما مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) ـ نجد أنّ الجعل باعتباره أمرا نفسانيّا منوط ومرتبط بشروط
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : قاعدة إمكان التكليف المشروط.