الوجوب أو لا ، فإذا جعل الحكم فهو ثابت في عالم التشريع ، فكيف يكون مشروطا بتحقّق القيود والشروط في الخارج؟
وبتعبير آخر : إنّ المولى إذا أراد الوجوب فإرادته فعليّة فلا معنى لإناطته بالشرط ؛ لأنّ ذلك يعني أنّ الوجوب ليس مرادا للمولى بعد ، وهو خلف.
والجواب : أنّ التمييز المتقدّم بين الجعل والمجعول يوضّح وجه المغالطة في الإشكال ، فإنّ ما هو فعل للمولى هو الوجوب في مرحلة الجعل ، وهناك يكون الجعل ثابتا ومتحقّقا لافتراض موضوعه وتقديره ، والتي منها شروط الاتّصاف أيضا ، وهذا الحكم والوجوب ثابت سواء وجدت الشروط في الخارج أم لا.
بينما الحكم والوجوب المجعول هو المتوقّف على تحقّق القيود والشروط في الخارج ، فإذا تحقّقت في الخارج كان الوجوب فعليّا ومجعولا وإلا فلا وجود للوجوب الفعلي المجعول ، وهذا الوجوب المجعول الفعلي تابع وجودا وانتفاء لتحقّق قيوده ، والمفروض أنّه منوط بها بلحاظ وجودها الخارجي كما تقدّم ، ولكن سواء تحقّقت هذه القيود أم لا فالوجوب في مرحلة الجعل لا يتأثّر بوجود المجعول أو بعدم وجوده.
والحاصل : أنّ الوجوب في مرحلة الجعل ثابت دائما ، ولا يتأثّر بالقيود والشروط في الخارج وجودا وعدما ، وأمّا الوجوب في مرحلة المجعول فهو الذي يتأثّر بالقيود وجودا وعدما في الخارج ، وما هو فعل للمولى هو الأوّل دون الثاني (١).
__________________
(١) إلا أنّه يمكن أن يقال هنا بأنّ الوجوب المشروط وإن كان ممكنا في نفسه ولكن لا على أساس التفرقة بين الجعل والمجعول ؛ إذ لا يوجد بالدقّة هذان النحوان من الجعل للحكم ، بل لا يوجد إلا جعل واحد وحكم واحد ، وهذا الحكم والجعل الواحد المنصبّ على موضوعه المقدّر الوجود إذا تحقّقت قيوده في الخارج صار فعليّا على ذمّة المكلّف ، وإذا لم تتحقّق قيوده في الخارج فلا يكون فعليّا على المكلّف ولا يطالب به ولا يكون مسئولا عنه.
وحينئذ نقول : إنّ هذا الحكم والجعل الواحد إمّا أن يكون مطلقا أي منصبّا على موضوع من دون أخذ قيود أخرى فيه ، وإمّا أن يكون مأخوذا فيه مضافا إلى الموضوع بعض القيود والخصوصيّات ، ففي الحالة الأولى يكون الوجوب مطلقا كوجوب الصلاة على كلّ مكلّف بالغ عاقل مثلا ، وفي الحالة الثانية يكون الوجوب مشروطا كوجوب الحجّ على المستطيع مثلا ، ولا فرق بين الحالتين في كون الوجوب أو الجعل واحدا وثابتا في عالم الجعل والتشريع ، وفي كونه لا يصبح فعليّا إلا إذا تحقّقت قيوده وشروطه وموضوعه في الخارج.