ذكرنا ، وفعليّته إنّما تبدأ فيما إذا تحقّقت سائر الشروط والقيود والمقدّمات المأخوذة فيه ، ومن جملتها الزمان كالزوال مثلا ، فإذا تحقّقت سائر الشروط باستثناء قيد الزمان لم يكن المكلّف مسئولا عن إيجاد مقدّمات الواجب قبل فعليّة زمان الوجوب ، وذلك لعدم وجود المحرّك والباعث لذلك فلا يحكم العقل بلزوم تحصيلها وإيجادها ، فالوضوء مثلا لا يجب على المكلّف إيجاده قبل الزوال ؛ لأنّه قبل الزوال لا يكون الوجوب فعليّا فلا تكون المحرّكيّة والباعثيّة موجودة ؛ لأنّهما من شئون الفعليّة.
وبهذا اتّضح أنّ المكلّف مسئول بحكم العقل عن إيجاد مقدّمات الواجب سواء كانت شرعيّة أم عقليّة.
والوجه في ذلك : هو أنّ الوجوب فعلي فيكون محرّكا نحو إيجاد متعلّقه ، والمفروض أنّ هذه المقدّمات راجعة إلى المتعلّق الذي هو الواجب ، بخلاف مقدّمات الوجوب فإنّ المكلّف ليس مسئولا عنها ؛ لأنّه قبل الوجوب لا يوجد المحرّك والباعث نحوها ، وبعده فيفترض حصولها وتحقّقها وإلا لم تكن مقدّمات وجوبيّة.
نعم ، هناك حالة وهي فيما إذا كانت المقدّمات مشتركة بين الوجوب والواجب فهل يجب تحصيلها أم لا؟ والجواب :
وإذا اتّفق أنّ قيدا ما كان مقدّمة وجوبيّة ووجوديّة معا امتنع تحريك التكليف نحوه ؛ لتفرّعه على وجوده ، وإنّما يكون محرّكا ـ بعد وجود ذلك القيد ـ نحو التقيّد وإيقاع الفعل مقيّدا به.
وهنا مطلب : إذا فرض أنّ بعض المقدّمات كانت مشتركة بين الوجوب والواجب فكانت مقدّمات وجوبيّة ومقدّمات وجوديّة أيضا ، فهل يجب على المكلّف إيجادها وتحصيلها أم لا؟
والجواب : أنّ هذا الفرض ملحق بالمقدّمات الوجوبيّة بمعنى أنّ المكلّف ليس مسئولا عن إيجاد هذه المقدّمات المشتركة.
والوجه في ذلك واضح إذ فرض كونها مقدّمة للوجوب يعني أنّ الوجوب متوقّف عليها في وجوده وفعليّته ، فقبل وجوده لا محرّك نحو إيجادها وتحصيلها ، وبعد وجوده يفترض حصولها وتحقّقها وإلا لم تكن مقدّمة له ؛ لأنّه يستحيل وجود ذي المقدّمة من دون المقدّمة الموقوف عليها وجوده.