والتحقيق أن يقال : إنّ الجواب المذكور وإن كان تامّا إلا أنّه لا يحلّ تمام المشكلة ؛ وذلك لأنّ إشكال استحالة الشرط المتأخّر يمكن أن يثار على ثلاثة مستويات :
الأوّل : بلحاظ عالم الحكم والوجوب ، فيقال في تقريب الإشكال : إنّ الوجوب كيف يمكن أن يتحقّق مع كونه مشروطا بأمر متأخّر ، والحال أنّ الوجوب لا يثبت ولا يتحقّق إلا بعد تحقّق موضوعه وسائر القيود والشروط المأخوذة في الموضوع؟
وهذا جوابه ما تقدّم من التفرقة في الحكم بين عالم الجعل الذي هو أمر حقيقي وبين عالم المجعول الذي هو أمر اعتباري ، وإرجاع الشرط المتأخّر إلى كونه مقارنا بلحاظ عالم الجعل ، والالتزام بكونه شرطا متأخّرا بلحاظ عالم المجعول ، ولكنّه لا يضرّ ما دام أمرا اعتباريّا ؛ لأنّه سهل المئونة.
الثاني : بلحاظ الواجب : فيقال في تقريب الإشكال : إنّ الواجب معلول للوجوب بمعنى أنّ الوجوب هو المؤثّر في إيجاد الواجب ، فلو كان هناك شرط متأخّر عنه لزم كون المتأخّر مؤثّرا في المتقدّم ، فيلزم منه تأثير المعدوم في الموجود وهو محال.
وهذا جوابه ما تقدّم من أنّ أخذ شرط أو قيد بلحاظ الواجب مرجعه إلى تحصيص الفعل الواجب إلى حصّتين ، والأمر متعلّق بالحصّة الخاصّة ، وحينئذ لا استحالة في كون القيد متقدّما أو مقارنا أو متأخّرا ؛ لأنّ التحصيص ليس بابه باب التأثير والعلّيّة.
الثالث : بلحاظ عالم الملاك والمصلحة : فإنّه تقدّم فيما سبق أنّ أخذ قيد في الواجب أو في الوجوب ليس جزافا ، وإنّما هو تابع للضابط المتقدّم من أنّه إذا كان القيد أو الشرط راجعا إلى أصل اتّصاف الفعل بالمصلحة فيكون قيدا في الوجوب ؛ لأنّه من دون القيد لا مصلحة ولا ملاك ومع عدم المصلحة والملاك لا وجوب ، وإذا كان القيد أو الشرط راجعا إلى ترتّب المصلحة واستيفائها فيكون قيدا للواجب ، بمعنى أنّ المصلحة الموجودة لا يمكن تحقّقها ولا يمكن استيفاؤها إلا مع تحقّق هذا القيد أو الشرط ؛ ممّا يعني أنّ الوجوب ثابت والمصلحة موجودة ولكن ترتّبها على الفعل مشروط بذاك الأمر والقيد.
وبناء على ذلك يقال : إنّ ثبوت أصل المصلحة أو ترتّب استيفاء المصلحة من الأمور التكوينيّة الحقيقيّة وليست أمرا اعتباريّا وهميّا ، فكيف يعلّق ذلك على قيد أو شرط متأخّر؟ إذ تعليق أصل المصلحة أو ترتّبها على أمر متأخّر يلزم منه أن يكون هذا