ومثاله كما تقدّم من وجوب الإتيان بالمناسك على من وجب عليه الحجّ لكونه مستطيعا ، ولكن هذا الواجب مقيّد بحلول يوم التاسع من ذي الحجّة وهو غير اختياري للمكلّف ، فإنّ هذا الزمان وإن كان حصوله حتميّا إلا أنّه ليس بيد المكلّف.
ثمّ إنّ صاحب ( الفصول ) قد ميّز بين الواجب المعلّق والوجوب المشروط ، فقال : إنّ هذين النحوين وإن كانا يشتركان في عدم التنجيز والفعليّة إلا أنّهما يختلفان في منشأ ذلك ، ففي الوجوب المشروط لا تكون هناك فعليّة من جهة أنّ الوجوب نفسه قد أنيط بقيد ، فما لم يتحقّق القيد لا يكون الوجوب فعليّا وبالتالي لا فعليّة للواجب ؛ بينما في الواجب المعلّق تكون فعليّة الواجب منتفية بسبب عدم مجيء زمانه مع كون الوجوب فعليّا فيه.
فوجوب الحجّ مثلا لا يتحقّق ولا يكون فعليّا إلا بتحقّق الاستطاعة ، وأمّا قبل الاستطاعة فكما لا فعليّة للوجوب لا فعليّة للواجب ولا يكون منجّزا على المكلّف ، بينما إذا تحقّقت الاستطاعة صار وجوب الحجّ فعليّا إلا أنّ الإتيان بالأعمال والمناسك موقوف على حلول اليوم التاسع من ذي الحجّة ، فالواجب معلّق وليس فعليّا وإن كان وجوبه فعليّا (١).
فإن قيل : إذا كان زمان الواجب متأخّرا ولا يبدأ إلا عند طلوع الفجر فما الداعي للمولى إلى جعل الوجوب يبدأ من حين طلوع الهلال ما دام وجوبا معطّلا عن الامتثال؟ أو ليس ذلك لغوا؟!
أشكل على القول بإمكان الواجب المعلّق باللغويّة ؛ وذلك لأنّ جعل الوجوب فعليّا قبل زمان الواجب لا فائدة منه ولا أثر عملي له ؛ لأنّه سواء كان مجعولا وفعليّا قبله أم من حين حلول زمان الواجب ، فالمكلّف ليس مسئولا عن الإتيان بالواجب ولا مطالبا بالامتثال إلا بعد مجيء زمان الواجب لا قبله.
__________________
(١) هذا ، وينبغي التنبيه هنا على أنّ مصطلح الواجب المشروط والواجب المعلّق هنا يختلفان عنهما عند الشيخ الأنصاري ، فإنّه لمّا أنكر الوجوب المشروط ذهب إلى أنّ القيود والشروط كلّها ترجع إلى المادّة ، أي إلى متعلّق الوجوب وهو الواجب ، فالواجب يكون مشروطا بينما الوجوب فعلي ، ولكنّه بدلا من أن يسمّيه الواجب المعلّق سمّاه الواجب المشروط ، فاصطلاح الواجب المشروط عنده هو نفسه الواجب المعلّق عندنا ، بينما اصطلاح الواجب المشروط عندنا هو عبارة عن الوجوب المشروط الذي أنكره الشيخ.