للمقدّمات المفوّتة دخالة فيه ، والعكس صحيح أيضا ؛ بمعنى أنّه في كلّ حالة تثبت القدرة بأحد هذه المعاني فيكون المكلّف ملزما بتحصيل المقدّمات المفوّتة وإن لم تؤخذ في لسان الدليل أو لم يدلّ عليها الخطاب.
وأمّا إذا كانت القدرة شرعيّة في زمان الواجب فقط أو استكشف من الدليل عدم مسئوليّة المكلّف عن المقدّمات المفوّتة ، ففي الحالتين لا يجب على المكلّف شيء ولا يلزم بالمقدّمات ؛ لأنّ القدرة الشرعيّة بهذا المعنى تكون دخيلة في الملاك بحيث لا يتحقّق الملاك من دونها.
غير أنّ هذا المعنى يحتاج إلى دليل خاصّ ولا يكفيه دليل الواجب العامّ ؛ لأنّ دليل الواجب له مدلول مطابقي وهو الوجوب ومدلول التزامي وهو الملاك ، ولا شكّ في أنّ المدلول المطابقي مقيّد بالقدرة ومع سقوط الإطلاق في الدلالة المطابقيّة يسقط في الدلالة الالتزاميّة أيضا للتبعيّة ، فلا يمكن أن نثبت به كون الملاك ثابتا في حالتي القدرة والعجز معا.
يرد على هذا التفسير أنّ معرفة كون القدرة عقليّة أو شرعيّة يحتاج إلى دليل خاصّ ولا يكفي فيه الدليل العامّ للواجب ، فإن تمّ الدليل الخاصّ على ذلك كان هذا التفسير وجها وتخريجا فنيّا وعمليّا أيضا ، وإن لم يتمّ الدليل الخاصّ فدليل الواجب العامّ لا يكفي لإثبات ذلك.
والوجه فيه هو أن يقال : إنّ دليل الواجب كالدليل الدالّ على وجوب الصوم : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أو الدليل الدالّ على وجوب الحج : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) له مدلولان :
أحدهما : المدلول المطابقي وهو الدلالة على الوجوب ، والآخر : وهو الدلالة على الملاك على أساس المدلول الالتزامي ؛ لأنّ ثبوت الوجوب في مورد لازمه أن يكون الملاك ثابتا فيه أيضا ، بناء على تبعيّة الأحكام للملاكات والمفاسد والمصالح.
وحينئذ نقول : إنّ المدلول المطابقي أي الوجوب لا إشكال ولا ريب في كونه مقيّدا بالقدرة ؛ لأنّه لا تكليف على العاجز كما هو واضح ، فإذا ترك المكلّف المقدّمات المفوّتة فصار عاجزا عن امتثال التكلّف فلا تكليف عليه جزما ، ولكن الملاك هل يبقى ثابتا بحقّه أم لا؟