العلم ؛ لأنّ العلم لا يعلم بعلم زائد ، بل هو معلوم بالعلم الحضوري لحضوره لدى النفس مباشرة ، وهذا ينتج توقّف العلم على نفسه.
الوجه الثاني : للاستحالة هو أنّ يقال : إنّه لو فرض أخذ العلم بالحكم قيدا في موضوع نفس الحكم بلحاظ عالم الجعل والتشريع ، فإنّ مثل هذا التكليف يستحيل وصوله إلى المكلّف ، فلا يكون فعليّا بحقّه ؛ لأنّه إذا استحال وصوله إليه والوصول شرط في الفعليّة استحال كونه منجّزا وفعليّا على المكلّف.
وتوضيحه : أنّ العلم ينقسم إلى العلم الحصولي والعلم الحضوري ، فالعلم الحصولي هو حضور صورة الشيء في الذهن لا نفس الشيء ، فالعلم بالأشياء الخارجيّة كلّها من العلم الحصولي ؛ لأنّ صورتها هي التي تحصل في الذهن لا هي نفسها كالعلم بأنّ النار حارّة ، فإنّ صورة النار هي التي تحصل لا نفس النار الخارجيّة بما لها من خاصيّة الحرارة والإحراق كما هو واضح.
بينما العلم الحضوري هو حضور نفس المعلوم في الذهن لا مجرّد صورته فقط ، أي حضور شيء لشيء ، وهذا يكون بالنسبة للمجرّدات ، فالنفس بما أنّها مجرّدة فهي تعلم ذاتها علما حضوريّا ، بمعنى أنّ الإنسان يعلم ذاته لحضور ذاته بنفسها عنده لا مجرّد صورتها ، إذ المفروض أنّ النفس مجرّدة عن المادّة والصورة.
وهكذا علم النفس بما تعلمه فإنّ الصور الذهنيّة التي حضرت إلى الذهن تكون معلومة للنفس علما حضوريّا ؛ لأنّ نفس هذه الصورة حاضرة لدى النفس ولا يحتاج علمها بها إلى تصوّرها ، وإلا لزم التسلسل الذي لا ينتهي.
وعلى هذا نقول : إنّ العلم بالحكم لو كان قيدا في موضوع شخص الحكم ، فوصوله إلى المكلّف لا يكون إلا بوصول موضوعه ؛ لأنّ الحكم مرتبط بموضوعه ، وعلاقة الحكم بموضوعه علاقة السبب بالمسبّب ، فلكي يصل الحكم إلى المكلّف ويصبح فعليّا لا بدّ أن يصل موضوعه إليه ويصبح فعليّا في رتبة سابقة.
والمفروض هنا أنّ من جملة قيود الموضوع هو العلم بالحكم ، وهذا معناه أنّ العلم بالحكم متوقّف على العلم بالموضوع أي على العلم بالحكم ، ممّا يعني أنّ العلم بالحكم متوقّف على العلم بالعلم بالحكم ؛ لأنّه هو الموضوع ، وهذا ينتج أنّ العلم بالحكم متوقّف على العلم بالحكم فيتوقّف الشيء على نفسه وهو دور باطل.