الحكم بلحاظ عالم الجعل هو الحكم الثابت على الموضوع المفترض والمقدّر الوجود ، وهما موجودان وثابتان معا في عالم اللحاظ ، بينما الحكم المجعول هو الحكم الذي يصبح فعليّا على تقدير وجود موضوعه في الخارج ، فالشارع لا يجعل الحكم فعليّا على المكلّف إلا إذا علم بالحكم في عالم الجعل ، فما لم يعلم به لا فعليّة للحكم عليه.
فمثلا وجوب الجهر على المكلّف في القراءة لا يكون مجعولا ولا فعليّا على المكلّف ، إلا إذا علم بثبوت هذا الحكم في عالم الجعل ، فما هو المتوقّف عليه إنّما هو العلم بالجعل وما هو المسبّب والمتولّد من ذلك إنّما هو العلم بالمجعول فلم يتوقّف الشيء على نفسه ولم يتولّد الشيء من نفسه.
وأمّا أنّه لا دور بلحاظ عالم الوصول فكذلك ؛ لأنّ العلم بالحكم الجعلي ووصوله إلى المكلّف ليس هو نفسه العلم بالحكم المجعول ؛ لأنّ متعلّق العلم الأوّل لمّا كان مغايرا لمتعلّق العلم الثاني فيمكن أن يؤخذ قيدا فيه ، نظير ما إذا أخذ العلم بالحكم قيدا في موضوع حكم آخر مخالف للحكم الأوّل.
وهكذا يظهر أنّه بالإمكان أن يتوصّل المولى إلى نتيجة التقييد من خلال هذا الطريق ، ولا يحتاج إلى طريق آخر للوصول إلى هذه النتيجة.
وأمّا من لم يأخذ هذا المخلص بعين الاعتبار كالمحقّق النائيني ; فقد وقع في حيرة من ناحيتين :
الأولى : أنّه كيف يتوصّل الشارع إلى تخصيص الحكم بالعالم به إذا كان التقييد المذكور مستحيلا؟
الثانية : أنّه اذا استحال التقييد استحال الإطلاق بناء على مختاره من أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد الثبوتيّين تقابل الملكة والعدم ، وهذا يعني أنّ الجعل الشرعي يبقى مهملا بلا تقييد ولا إطلاق ، فكيف يرفع هذا الإهمال ويتعيّن في المطلق تارة وفي المقيّد أخرى؟
تقدّم أنّ تقييد الحكم بالعلم به مستحيل ؛ لمحذور الدور فيما إذا كان العلم بالحكم المجعول قيدا في الحكم المجعول ، وقلنا بأنّ هذا المحذور لا يرد فيما إذا كان العلم في عالم الجعل قيدا للحكم في عالم المجعول.