إلا أنّ الميرزا النائيني ذهب إلى عدم إمكان حلّ إشكال الدور بذلك ، واعتبر أنّ إشكال الدور أو توقّف الشيء على نفسه ثابت ، سواء كان التقييد بلحاظ عالم الإنشاء أم بلحاظ عالم الفعليّة ، فقال ما حاصله : أنّ أخذ العلم بالحكم قيدا في مقام الإنشاء يلزم منه توقّف الشيء على نفسه ؛ لأنّ الإنشاء يكون على نهج القضيّة الحقيقيّة أي عبارة عن جعل الحكم على موضوعه المقدّر الوجود ، وهذا الإنشاء ثابت قبل تحقّق الموضوع في الخارج ، وإنّما يصبح الإنشاء فعليّا بتحقّق الموضوع في الخارج.
وعليه ، فإذا أخذ العلم بالإنشاء قيدا في الموضوع لزم حين إنشاء الحكم أن يتصوّر الموضوع ، والموضوع قد أخذ فيه العلم بالإنشاء فيكون العلم بالإنشاء سابقا على الإنشاء أو مولّدا للإنشاء وهو خلف حقيقة العلم ؛ لأنّ دوره إنّما هو الكاشفيّة لا التوليد. مضافا إلى استلزامه الدور ؛ إذ يتوقّف الإنشاء على العلم بالإنشاء.
وهكذا الحال بالنسبة لأخذ العلم بالحكم قيدا في مقام الفعليّة ؛ لأنّ الحكم لا يكون فعليّا إلا يتحقّق موضوعه ووصوله إلى المكلّف ، والمفروض أنّ موضوعه قد أخذ فيه العلم بالحكم.
وهذا يعني أنّ الحكم لا بدّ أن يكون ثابتا وفعليّا وواصلا للمكلّف في رتبة سابقة ، والمفروض أنّ ثبوته كذلك يعني فعليّته التي هي فرع تحقّق موضوعه ، فصار الحكم موقوفا على تحقّق الموضوع وفعليّته ، وصار الموضوع موقوفا على تحقّق الحكم وفعليّته ، فكان كلّ منهما متوقّفا على الآخر وهذا دور.
ومن هنا ذهب إلى أنّه لا يمكن للشارع أن يتوصّل إلى نتيجة التقييد بأخذ العلم قيدا في الحكم ، سواء كان في عالم الإنشاء مأخوذا قيدا أم في عالم الفعليّة.
ولكن توجد أمامه مشكلتان لا بدّ من حلّهما :
الأولى : أنّه قد ثبت في بعض الموارد الفقهيّة تقييد الحكم بالعالم به ، فكيف يمكن للشارع أن يتوصّل إلى تقييد الحكم بالعالم به ، مع أنّ التقييد مستحيل كما تقدّم؟
والثانية : أنّ الميرزا ذهب في بحث الإطلاق والتقييد إلى أنّ التقابل بينهما في عالم الثبوت هو تقابل العدم والملكة ، بمعنى أنّه لا يصحّ الإطلاق إلا في المورد الذي يكون قابلا للتقييد ، فإذا كان المورد قابلا للتقييد ولم يقيّد استكشف من ذلك الإطلاق.
وأمّا إذا كان المورد غير قابل للتقييد فهو غير قابل للإطلاق ، إذ قد يكون مراده