به يتمّ الجعل الأوّل المهمل به ، حيث أخذ العلم قيدا فيه فنسأل عن كيفيّة أخذ قيديّة العلم هذه؟
فإن كان مقيّدا بالعلم بالجعل الأوّل بأن قال المولى : ( إذا علمت بالجعل الأوّل فالجعل الثاني فعلي ) ، فهذا وإن كان معقولا في نفسه ولا يلزم منه محذور الدور كما تقدّم ؛ لأنّ العلم بالجعل الأوّل لا يتوقّف على العلم بالجعل الثاني وإنّما التوقّف من جهة الجعل الثاني فقط فإنّه موقوف على العلم بالجعل الأوّل ، إلا أنّه مع ذلك يكون لغوا ولا فائدة منه ؛ لأنّه تطويل بلا فائدة إذ كان بإمكان المولى أن يقيّد بهذا القيد في نفس الجعل الأوّل فيقول : ( إذا علمت بالجعل الأوّل فيصبح فعليّا عليك ) ؛ لأنّ العلم بالجعل يمكن أخذه قيدا في المجعول كما تقدّم.
وإن كان مقيّدا بالعلم بفعليّة الجعل الأوّل ، بأن قال المولى : ( إذا علمت بفعليّة الجعل الأوّل المهمل فالجعل الثاني فعلي ) ، فهذا غير معقول في نفسه.
والوجه في ذلك : هو أنّ الفعليّة معناها تحقّق الموضوع وقيوده وشروطه ، فلكي يصبح الحكم فعليّا لا بدّ من تحقّق الموضوع وكلّ ما أخذ فيه. وعليه ، فلكي يعلم المكلّف بفعليّة الجعل الأوّل لا بدّ من تحقّق موضوعه أوّلا ، وموضوع الجعل الأوّل لا يخلو إمّا أن يكون مقيّدا أو مطلقا أو مهملا ، والكلّ لا يمكن الالتزام به. إذا فلا يمكن أن يعلم المكلّف بالفعليّة لعدم إمكان تحقّق هذه الفعليّة.
وبيان ذلك : أنّ موضوع الجعل الأوّل إن كان مقيّدا بالعلم ومختصّا بالعالم فقط ، فهذا يلزم منه محذور الدور وتوقّف الشيء على نفسه ؛ لأنّ معناه هكذا ( العلم بالجعل الأوّل قيد في موضوع الجعل الأوّل ) فيتوقّف العلم به على العلم.
وإن كان غير مقيّد بالعلم فهذا معناه أنّه يشمل العالم والجاهل وهو معنى الإطلاق ، والمفروض أنّه مهمل ، والمهمل معناه أنّ التقييد والإطلاق غير ملحوظين فيه ، فيكون إطلاقه مخالفا لحقيقة الإهمال فيه.
وإن كان مهملا كما يفترضه الميرزا فهذا معناه أنّ المكلّف لا يمكنه العلم بموضوعه ؛ لأنّه لا يعلم هل موضوعه مقيّد بالعلم أم هو شامل للعلم والجهل معا؟ ومع عدم العلم بموضوعه لا يمكن العلم بفعليّته ، وبالتالي لا يكون الجعل الثاني ثابتا ؛ لأنّه موقوف على العلم بفعليّة الجعل الأوّل المهمل.