والجواب : أنّ ما هو متأخّر عن الأمر ومتفرّع على ثبوته قصد الامتثال من المكلّف خارجا ، لا عنوانه وتصوّر مفهومه في ذهن المولى ، وما يكون متقدّما على الأمر تقدّم المعروض على عارضه هو عنوان المتعلّق وتصوّره في ذهن المولى ؛ لأنّه ما لم يتصوّر الشيء لا يمكنه أن يأمر به.
وأمّا الوجود الخارجي للمتعلّق فليس متقدّما على الأمر ، بل هو من نتائجه دائما فلا محذور.
وجواب هذا البرهان :
أنّ محذور التقدّم والتأخّر أو محذور الدور أو التهافت في اللحاظ ، إنّما يتمّ فيما إذا كان الشيء الواحد متقدّما ومتأخّرا على نفسه ، أو كان وجوده تارة يكون علّة وأخرى معلولا ، وهذا يشترط فيه أن تكون جميع الحيثيّات المأخوذة في التناقض متوفّرة ، والتي من جملتها وحدة الحمل ووحدة الموضوع ووحدة الجهة ووحدة الزمان ووحدة المكان ووحدة الكلّيّة والجزئيّة. وأمّا إذا كان هناك اختلاف في هذه الأمور فلن يتحقّق المحذور.
وتوضيحه : أنّ قصد امتثال الأمر حينما يفرض متأخّرا عن الأمر فهذا إنّما يكون بلحاظ عالم الواقع الخارجي ؛ لأنّ المكلّف لا يمكنه أن يقصد امتثال الأمر في الخارج حين إتيانه بالفعل أو بالواجب التعبّدي ، إلا إذا كان الأمر ثابتا وموجودا في رتبة سابقة.
ولكن حينما يفرض أنّ قصد امتثال الأمر متقدّم على الأمر ، فهذا إنّما يكون بلحاظ عالم الجعل والتشريع للأمر ؛ لأنّ المولى حينما يريد أن يجعل الأمر على شيء فهو يتصوّر موضوعه وكلّ ما له دخل في الموضوع ؛ ومنه قصد امتثال الأمر ـ فيما لو أخذ قيدا أو جزءا ـ ممّا يعني أنّ الوجود التصوّري واللحاظي أو المفهومي لقصد امتثال الأمر هو المفروض كونه متقدّما على الأمر ، لا قصد الامتثال حقيقة والذي لا يوجد إلا بفعل المكلّف له في الخارج.
إذا فهناك اختلاف في العالم والجهة ، فقصد امتثال الأمر المتأخّر إنّما هو في عالم الواقع الخارجي وهذا يكون بلحاظ المكلّف ؛ لأنّه هو الذي يقصد الامتثال ، بينما قصد امتثال الأمر المتقدّم إنّما هو في عالم الجعل والتشريع والتصوّر واللحاظ المفهومي وهذا يكون بلحاظ الشارع ؛ لأنّه هو الذي يجعل الأمر.