والنتيجة : هي عدم لزوم المحذور من أخذ قصد امتثال الأمر قيدا في موضوع الأمر أو جزءا منه ؛ لعدم لزوم توقّف الشيء على نفسه الذي هو ملاك الدور ؛ لأنّ الأمر الذي هو فعل للمولى عالمه هو واقع الجعل والتشريع ، واللحاظ متوقّف على تصوّر قصد امتثال الأمر ولحاظه المفهومي ، بينما الأمر بلحاظ الخارج ليس متوقّفا على قصد امتثال الأمر ، بل هو متقدّم عليه ، فاختلفت الجهة ومعها لا يكون الشيء متوقّفا على نفسه.
وهكذا بالنسبة للتقدّم والتأخّر فهو متأخّر بلحاظ عالم الجعل والتشريع ولكنّه متقدّم بلحاظ عالم الواقع الخارجي. وبذلك لا يلزم التهافت في اللحاظ ؛ لأنّه في لحاظ المولى كان الأمر متأخّرا فقط ، وفي لحاظ المكلّف كان الأمر متقدّما فقط.
والبرهان المذكور انطوى على مغالطة واضحة وخلط بين الموضوع والمتعلّق والجعل والمجعول ، ولهذا قال السيّد الشهيد :
وكأنّ صاحب هذا البرهان اشتبه عليه المتعلّق بالموضوع ، فقد عرفنا سابقا (١) أنّ فعليّة الوجوب المجعول تابعة لوجود الموضوع خارجا ، وحيث اختلط على هذا المبرهن المتعلّق والموضوع ، فخيّل له أنّ قصد الامتثال إذا كان داخلا في المتعلّق فهو داخل في الموضوع ، ويكون الوجوب الفعلي تابعا لوجوده بينما وجوده متفرّع على الوجوب.
ونحن قد ميّزنا سابقا بين المتعلّق والموضوع (٢) ، وميّزنا بين الجعل والمجعول (٣) ، وعرفنا أنّ المجعول تابع في فعليّته لوجود الموضوع خارجا لا لوجود المتعلّق ، وأنّ الجعل منوط بالوجود الذهني لأطرافه من المتعلّق والموضوع لا الخارجي ، فلا تنطوي علينا المغالطة المذكورة.
تقدّم سابقا بيان المراد من المتعلّق والموضوع ، وهنا نقول باختصار :
__________________
(١) تحت عنوان : قاعدة إمكان الوجوب المشروط.
(٢) في بحث الدليل العقلي من الحلقة الأولى ، تحت عنوان : العلاقات القائمة بين الحكم ومتعلّقه.
(٣) في بحث الدليل العقلي من هذه الحلقة ، تحت عنوان : قاعدة إمكان الوجوب المشروط.