لمتعلّق الأمر ، وكونه كذلك ـ على فرض أخذ القصد في المتعلّق ـ يتوقّف على انضمام القصد المذكور إليه ، وهذا يؤدّي إلى توقّف الشيء على نفسه ، واستحالة الامتثال.
البرهان الثاني : وهو أيضا ما يظهر من كلمات صاحب ( الكفاية ) في المقام حيث قال : ( إنّ الأمر بالفعل المقيّد أو المركّب من ذات الفعل وقصد الأمر لا يمكن أن يكون داعيا للإتيان بالفعل بقصد الأمر ؛ لأنّ الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلّق به ، والفعل لا يكون مأمورا به ، فلا يمكن الإتيان به بقصد الأمر ) ، وهذا البرهان ذكره المحقّق الأصفهاني أيضا. ولهذا البرهان ثلاثة تقريبات :
التقريب الأوّل : وحاصله أن يقال : إنّ الأمر له داعويّة ومحرّكيّة نحو متعلّقه ؛ لأنّه إنّما يجعل لأجل المحرّكيّة والداعويّة ؛ إذ لو لم يكن له داعويّة ولا محرّكيّة لكان جعله لغوا ، ولذلك فبعد تحقّق موضوعه فهو يدعو ويحرّك نحو إيجاد متعلّقه.
فإذا قلنا بأنّ قصد امتثال الأمر دخيلا في المتعلّق ، فهذا معناه أنّ الأمر يحرّك ويدعو إلى قصد امتثال الأمر أيضا ، ولكن حيث إنّ قصد امتثال الأمر ليس إلا عبارة عن محرّكيّة الأمر ، باعتبار أنّ القصد عبارة عن التحرّك نحو الفعل ، فتكون النتيجة هي أنّ الأمر يحرّك نحو محرّكيّته ويدعو إلى داعويّته وهذا مستحيل ؛ لأنّ الأمر لا يدعو إلى نفسه ولا يحرّك نحو محرّكيّته ، وإنّما هو يدعو ويحرّك نحو متعلّقه أي الفعل.
وعليه ، فأخذ قصد الامتثال يؤدّي إلى هذا المحذور فلا يمكن الالتزام به.
التقريب الثاني : وحاصله : أنّ قصد امتثال الأمر إذا كان دخيلا في متعلّق الأمر ، فإذا أراد المكلّف أن يتحرّك نحو إيجاد متعلّق الأمر فلا بدّ أن يتحرّك نحو هذا القصد أيضا ، وحينئذ نقول : إن قصد امتثال الأمر هل هو دخيل في المتعلّق أو لا؟
فإن كان دخيلا في المتعلّق فهذا معناه أنّ المكلّف لا بدّ أن يقصد شيئين : ذات الفعل ، وقصد امتثال الأمر ؛ لأنّ المفروض كونه دخيلا في المتعلّق فلا بدّ من قصده ، وهذا باطل جزما ؛ لأنّ معناه محرّكيّة الشيء نحو نفسه ، وللزوم الخلف أيضا لصيرورة قصد الامتثال داخلا وخارجا ، أي علّة ومعلولا ؛ لأنّ المحرّكيّة سنخ من العلّيّة فيكون قصد الامتثال علّة للتحرّك ومعلولا للتحرّك أيضا ، وهو محال.
وإن لم يكن دخيلا في المتعلّق فهذا معناه أنّ متعلّق الأمر هو ذات الفعل فقط ،