ويندفع البيان الثاني بأنّ ذات الفعل متعلّق للأمر وهو الأمر الضمني الأوّل.
أجاب المشهور عن هذا البرهان بما حاصله : أنّ أخذ قصد امتثال الأمر في المتعلّق معناه انحلال الأمر إلى أمرين ضمنيّين.
والوجه في ذلك : هو أنّ الأمر بالمركّب من الفعل وقصد الامتثال أو الأمر بالمقيّد من الفعل والقيد ينحلّ إلى أمرين ضمنيّين :
أحدهما : الأمر الضمني بذات الفعل.
والآخر : الأمر الضمني بقصد امتثال الأمر.
فيكون المكلّف مأمورا بأمرين : أحدهما الإتيان بذات الفعل أو بذات المقيّد ، والآخر الإتيان بالتقيّد ، أي كون هذا الفعل متقيّدا بقصد الامتثال. وبهذا سوف ينحلّ الإشكال المذكور بتقريباته الثلاثة :
أمّا التقريب الأوّل الذي يقول : إنّ الأمر سوف يكون محرّكا نحو نفسه لا نحو متعلّقه ، فهذا جوابه : أنّ ما هو المحال هو محرّكيّة الأمر نحو محرّكيّته بنفس هذا الأمر ، وأمّا محرّكيّة الأمر نحو محركيّة أمر غيره فلا استحالة فيها.
وفي مقامنا يكون الأمر الضمني الثاني المتعلّق بقصد امتثال الأمر محرّكا نحو محرّكيّة الأمر الضمني الأوّل لا نحو محرّكيّة نفسه ، والأمر الضمني الأوّل يحرّك نحو متعلّقه وهو الفعل.
وأمّا التقريب الثاني الذي يقول بأنّ أخذ قصد الامتثال في متعلّق الأمر سوف يؤدّي إمّا إلى الخلف وإمّا إلى كون الشيء داعيا وعلّة نحو إيجاد نفسه ، فهذا جوابه : أنّنا نلتزم بكون قصد الامتثال يدعو إلى المحرّكيّة ، ولكنّ قصد الامتثال هنا يدعو إلى قصد امتثال الأمر الضمني الأوّل لا إلى قصد امتثاله نفسه ، فهو يحرّك وعلّة لإيجاد متعلّق الأمر الضمني الأوّل لا إلى إيجاد متعلّق نفسه ، فلا يكون علّة لنفسه ، بل يكون علّة لغيره أي لإيجاد ذات الفعل.
وأمّا التقريب الثالث الذي يقول بلزوم الدور وتوقّف الشيء على نفسه ، فجوابه : أنّ قصد امتثال الأمر لمّا كان مأمورا به بأمر ضمني مستقلّ عن الأمر الضمني الأوّل ، فهذا معناه أنّ امتثال المتعلّق يكون بالأمر الضمني الأوّل ، ولكنّ الأمر الضمني الثاني يدعو إلى امتثال الأمر الضمني الأوّل ، فامتثال الأمر الأوّل وإن كان موقوفا على الأمر