وثانيا : أنّه إذا اتّفق عكس ما تقدّم في الثمرة السابقة فأصبح الواجب صدفة متوقّفا على مقدّمة محرّمة ، كإنقاذ الغريق إذا توقّف على اجتياز الأرض المغصوبة ،
__________________
فيكون فعل الواجب مقارنا لفعل الحرام دائما ؛ لأنّه إذا أراد امتثال الحرام فاللازم ألاّ يريد الصلاة ؛ لأنّها العلّة التامّة للحرام إلا أنّ عصيان الحرام ليس محصورا بالإتيان بالواجب فقط ، وإن كان هو العلّة التامّة له ؛ إذ يمكنه قتل النفس المحترمة أوّلا ثمّ الصلاة ، ولذلك يكون فعل الواجب مشروطا بأن لا يعصي الحرام ولو بسبب وبعلّة أخرى ، فإذا عصاه وجبت الصلاة فالمورد من موارد التزاحم وتقديم الأهمّ.
وأمّا على القول بالملازمة فسوف يكون الواجب الذي هو علّة تامّة للحرام وسببا توليديّا محرّما أيضا على أساس الملازمة بين حرمة شيء وحرمة مقدّمته بنحو العلّة التامّة التوليديّة ، فهنا سوف يقع التعارض ؛ لأنّه من باب اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد وهو مستحيل ، ممّا يؤدّي إلى التنافي بين دليل الوجوب ودليل الحرمة في عالم الجعل لا في عالم الامتثال فقط ، وحينئذ تطبّق قواعد التعارض لا التزاحم.
ويمكن أن نفرض هذه الثمرة بنحو آخر :
وذلك فيما إذا صار الواجب علّة تامّة لترك واجب آخر ، كما إذا نذر أن يصلّي صلاة الليل في كلّ ليلة فاتّفق في ليلة أن كانت صلاة الليل سببا توليديّا ؛ لعدم القدرة على الصيام الواجب في الغد ، وفرض أنّ وجوب الصوم هو الأهمّ ملاكا من صلاة الليل.
فإنّه على القول بعدم الملازمة فسوف يكون المورد من موارد التزاحم ، فيقدّم الأهمّ ملاكا ؛ لأنّه مطلق وفعلي سواء اشتغل بالآخر أم لا ، ويكون الواجب الآخر الأقلّ أهمّيّة مشروطا بعدم الاشتغال بالصيام الأهمّ.
وأمّا على القول بالملازمة فسوف يكون المورد من موارد التعارض ؛ لأنّ الصوم لمّا كان هو الأهمّ فيجب فعله ويحرّم تركه ؛ لأنّ تركه عبارة عن الضدّ العامّ ، فإذا حرم الترك حرمت مقدّمته التوليديّة وعلّته التامّة وهي صلاة الليل بحسب الفرض ، وحينئذ سوف يجتمع الوجوب والحرمة على صلاة الليل وهو من اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد وهو مستحيل ، وهذا معناه التنافي بين الجعلين أو الدليلين فيقع التعارض بين دليل الوجوب ودليل الحرمة.
وهذا بخلاف ما إذا فرضنا أنّ صلاة الليل هي الأهمّ من وجوب الصوم ، فإنّه على هذا الفرض فسواء قلنا بالملازمة أم أنكرناها فلا تعارض ولا تزاحم ؛ لأنّ صلاة الليل لمّا كانت هي الأهمّ فوجوب الصوم يكون مقيّدا بالمقيّد اللبّي ، أي بالقدرة التكوينيّة بالمعنى الأعمّ وهو ألاّ يكون مشتغلا بالواجب الأهمّ ، فإذا اشتغل بصلاة الليل ارتفع موضوع وجوب الصوم فلا تفويت لملاكه ؛ لأنّ موضوعه منتف ، وإذا لم يشتغل بصلاة الليل وعصاها كان وجوب الصوم فعليّا.