مغاير لوجود طرفيه ، وذلك هو متعلّق الأمر النفسي ضمنا ، فالمقدّمة الشرعيّة إذن تتّصف بالوجوب الغيري كالمقدّمة العقليّة إذا تمّت الملازمة.
وقد يشكل على ما ذكرناه من كون الأمر بالصلاة المقيّدة ينحلّ إلى أمرين : أمر بذات المقيّد أي بالصلاة ، وأمر بالتقيّد أي بكونها عن وضوء دون القيد فإنّه خارج ، فيقال : إنّ التقيّد عنوان انتزاعي من القيد نفسه ، بمعنى أنّ الصلاة عن وضوء أو الصلاة المقيّدة بالوضوء لا يمكن أن يتحقّق تقيّدها بذلك إلا بالإتيان بالوضوء ، فيكون الأمر بالتقيّد أمرا بالقيد لا محالة ؛ لأنّه منشأ انتزاعه ، ومعه يتّصف القيد بالوجوب الضمني النفسي فيمتنع اتّصافه بالوجوب الغيري.
ولكن يجاب عن ذلك بأنّ القيد وإن كان دخيلا في حصول التقيّد ؛ لأنّ الصلاة عن وضوء لا يمكن أن تتحقّق إلا بالإتيان بالوضوء ، فيكون الوضوء طرفا لانتزاع التقيّد والطرف الآخر هو الصلاة ، وبحصول هذين الطرفين ينتزع منهما عنوان التقيّد. إلا أنّ هذا لا يعني أنّ القيد صار عين التقيّد ونفسه ، بل هما أمران متغايران.
والوجه في ذلك : هو أنّ التقيّد وصف انتزاعي فهو من الأمور الانتزاعيّة الواقعيّة ، بمعنى أنّ له ثبوتا وتحقّقا في عالم انتزاعه ممّا يعني أنّ له وجودا خاصّا به مستقلا عن طرفيه ( الصلاة والوضوء ) ؛ لأنّ الأمور الانتزاعيّة الواقعيّة كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة لها وجود في عالم انتزاعها يختلف عن نفس وجود الشرط والمشروط أو الجزء والمركّب أو المانع والممنوع ، وهنا التقيّد نسبة بين الصلاة والوضوء منتزعة منهما فهي معنى حرفي وهو له وجود مستقلّ عن نفس الطرفين اللذين هما منشأ انتزاعه ، ووجوده يكون في عالم الذهن.
وعليه ، فالتقيّد ليس هو نفس القيد والمقيّد بل هو مغاير لهما. نعم ، لا يحصل التقيّد إلا بطرفيه ولكن هذا لا يجعله منطبقا عليهما ، ولذلك يكون الأمر النفسي الضمني متعلّقا بالتقيّد وبالمقيّد فهما داخلان بينما القيد خارج عن الأمر.
ولذلك لا مانع من اتّصافه بالوجوب الغيري على القول بالملازمة ؛ لأنّه ليس متّصفا بالوجوب النفسي الضمني.
* * *