أوّلا : أنّ الأحكام الظاهريّة ـ على ما تقدّم (١) ـ أحكام طريقيّة لم تنشأ من مصالح وملاكات في متعلّقاتها ، بل من نفس ملاكات الأحكام الواقعيّة ، وقد مرّ دفع محذور استلزام الأحكام الظاهريّة لتفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة.
ولو كانت الأحكام الظاهريّة ناشئة من مصالح وملاكات على ما ادّعي للزم التصويب ، إذ بعد فرض وفاء الوظيفة الظاهريّة بنفس ملاك الواجب الواقعي يستحيل أن يبقى الوجوب الواقعي مختصّا بمتعلّقه الأوّل ، بل ينقلب ـ لا محالة ـ ويتعلّق بالجامع بين الأمرين ، وهذا نحو من التصويب.
الإيراد الأول على القول المذكور : إنّ الصحيح في جعل الأحكام الظاهريّة هو ما ذكرناه سابقا من أنّها أحكام طريقيّة وليست أحكاما حقيقيّة ؛ وذلك لأنّها مجرّد خطابات تعيّن ما هو الأهمّ من الملاكات الواقعيّة عند اختلاطها على المكلّف وعدم تمييزه لها ، فإنّ الشارع في هذه الحالة يجعل الحكم الظاهري لأجل حلّ هذه المشكلة التي يواجهها المكلّف.
ومن هنا لم يكن في الأحكام الظاهريّة ملاكات ومصالح مستقلّة وزائدة عن الحكم الواقعي ، بل ملاكاتها هي نفس ملاكات الواقع.
وعلى هذا المسلك ـ والذي هو المختار ـ سوف تنحلّ شبهات ابن قبة ؛ لأنّه لن يكون هناك اجتماع للمثلين أو للضدّين ؛ إذ لا يوجد حكم آخر سوى الحكم الواقعي ، وليس الحكم الظاهري إلا طريقا إليه فقد يصيبه وقد يخطأه.
ولن يكون هناك تفويت للمصلحة أو إلقاء في المفسدة ؛ لأنّ تفويت مصلحة الأمر الواقعي كانت رعاية لغرض أهمّ ، وهي الحفاظ على الملاكات الواقعيّة التي لاحظ أهمّيّتها على تلك المصلحة ؛ كما تقدّم شرحه مفصلا عند الكلام على حقيقة الحكم الظاهري.
__________________
... والجاهل بحكم العقل ولإطلاقات الأدلّة بحسب ظاهرها.
وأمّا هذا القول فهو وإن كان يؤدّي إلى القول بالإجزاء لكنّه يؤدّي إلى التصويب فيمتنع.
(١) في هذه الحلقة ، عند البحث عن الحكم الشرعي وتقسيماته ، تحت عنوان : وظيفة الأحكام الظاهرية.