إنّنا إذا افترضنا دخول الإنسان إلى الأرض المغصوبة ـ سواء كان دخوله بسوء اختياره أم لا ـ فهنا يتوجّه إليه أمر نفسي بوجوب تخليص نفسه من الغصب ، إلا أنّ هذا الواجب يتوقّف على مقدّمة وهي الخروج من الأرض المغصوبة ؛ إذ لا يمكن أن يتحقّق التخليص الواجب إلا بالخروج كما هو واضح ، فالخروج إذا مقدّمة وجوديّة للواجب يحكم بها العقل ، فهو واجب ولازم بحكم العقل.
ولكنّ السؤال هنا أنّه بناء على القول بالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته شرعا ، فهل يمكن أن يكون الخروج واجبا شرعيّا من باب المقدّميّة أو لا يمكن ذلك؟
فإن قيل بأنّه ما دام مقدّمة للواجب فعلى الملازمة لا بدّ أن يتّصف بالوجوب الغيري أيضا.
فيقال : إنّ اتّصافه بالوجوب يستلزم اجتماع الأمر والنهي على عنوان واحد ؛ وذلك لأنّ الخروج عبارة عن التصرّف في المغصوب أيضا بما يستلزمه من التحرّك والتنقّل من المكان الذي هو فيه إلى خارج المغصوب فيكون أيضا تصرّفا غصبيّا ، وحيث إنّ حرمة الغصب انحلاليّة وشموليّة فهي تشمل هذه الحصّة من الغصب ، وتكون النتيجة اجتماع الأمر والنهي على عنوان الخروج :
إمّا بلحاظ المبادئ والملاكات فقط ، فيما إذا قيل بأنّ الدخول بسوء الاختيار ينافي التكليف خطابا ، ولكنّه لا ينافيه عقابا المستلزم لبقاء الملاك فيه.
وإمّا بلحاظ المبادئ والملاكات والإيجاب والتحريم والمفسدة والمصلحة ، فيما إذا قيل بأنّ الدخول بسوء الاختيار لا ينافي التكليف لا خطابا ولا عقابا.
وحينئذ فعلى القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي فهذه المشكلة لا بدّ من حلّ لها بأحد الوجوه التالية :
أوّلا : أن يلتزم بأنّ الخروج ليس مقدّمة للواجب فلا يتّصف بالوجوب ، بل هو محرّم فقط.
ثانيا : أن يلتزم بتخصيص دليل الحرمة والنهي في غير هذه الحصّة من الغصب المستلزمة للخروج ، فيكون الخروج واجبا فقط.