وأمّا إذا بني على جواز الاجتماع وعدم التعارض بين الدليلين ، فهنا يوجد تفصيل بين الواجب التعبّدي والواجب التوصّلي :
فإن كان الواجب توصّليّا كما إذا أمره بإحدى المعاملات كالبيع أو الشراء ونهاه عن أذيّة الوالدين ، وفرضنا أنّ المعاملة التي أجراها كانت موجبة لأذيّة الوالدين فهنا يحكم بصحّة المعاملة سواء كان هناك مندوحة أم لا ، وسواء وقع التزاحم مع عدم المندوحة أم لا ؛ وذلك لأنّ ما أتى به من المعاملة يكون مصداقا للواجب المأمور به.
فإن كان هناك مندوحة بأن كان بإمكانه إجراء المعاملة في المورد الذي لا يوجب أذيّة الوالدين ، فهنا لا يتحقّق التزاحم أصلا ، فيكون دليل الأمر مطلقا وبإطلاقه يشمل المورد الذي فعله فيكون ما أتى به مصداقا للواجب.
وإن لم يكن هناك مندوحة ، وانحصر فعل الواجب بالفرد الموجب للأذيّة فهنا يقع التزاحم ، والمفروض أنّ دليل النهي أهمّ ملاكا فيكون مطلقا وفعليّا ، بينما دليل الواجب يكون مشروطا بعصيان الأهمّ ، فإذا عصى الأهمّ وأتى بالواجب صحّ أيضا لصيرورته فعليّا عندئذ.
وبتعبير آخر : إنّ الأمر إمّا أن يكون مطلقا وفعليّا ، وهذا فيما إذا كان هناك مندوحة ، وإمّا أن يكون مشروطا على وجه الترتّب فيما إذا لم يكن هناك مندوحة ، ففي الحالة الأولى يكون ما أتى به مصداقا لإطلاق الواجب الفعلي. وفي الحالة الثانية يكون مصداقا للواجب الذي يصبح فعليّا بترك الأهمّ. ففي الحالتين يكون المأتي به مصداقا للواجب فيجزي عنه طبقا للقاعدة.
وإن كان عباديّا صحّ وأجزأ كذلك إذا كان مبنى عدم التعارض هو القول بالجواز بملاك تعدّد المعنون.
وأمّا إذا كان مبناه القول بالجواز بملاك الاكتفاء بتعدّد العنوان مع وحدة المعنون ، فقد يستشكل في الصحّة والإجزاء ؛ لأنّ المفروض حينئذ أنّ الوجود الخارجي واحد وإنّه حرام ، ومع حرمته لا يمكن التقرّب به نحو المولى فتقع العبادة باطلة لأجل عدم تأتّي قصد القربة ، لا لمحذور في إطلاق دليل الأمر.
وأمّا إن كان الواجب عباديّا وقلنا بالجواز وعدم التعارض ، فهل يقع صحيحا أم لا؟ وهنا يفصّل :