الأوّل : أن تكون بملاك العينيّة ، بمعنى أنّ وجوب الشيء يقتضي حرمة الضدّ ؛ لأنّ الوجوب نفسه عين حرمة الضدّ ، فتكون الحرمة ثابتة بمجرّد ثبوت الوجوب وإلا للزم التفكيك بين الشيء ونفسه.
الثاني : أن تكون بملاك التضمّن والجزئيّة ، بحيث يكون وجوب الشيء مركّبا من النهي عن الضدّ ومن طلب الفعل ، فيكون الاقتضاء ثابتا لكونه مدلولا تضمّنيّا بحيث إذا ثبت وجوب الشيء تضمّن ذلك النهي عن الضدّ ؛ لأنّه جزء المدلول.
الثالث : أن يكون بملاك الملازمة والتلازم ، بحيث يكون وجوب الشيء لازمه العقلي النهي عن ضدّه العامّ أو الخاصّ ، فإذا ثبت الوجوب حكم العقل بحرمة الضدّ على أساس الملازمة بينهما.
وسوف نستعرض البحث في مقامين :
الأوّل : في الضدّ العامّ ، وأنّه هل يكون الوجوب مقتضيا للنهي عنه بأحد هذه الملاكات الثلاثة أو لا؟
الثاني : في الضدّ الخاصّ ، وأنّه هل يكون منهيّا عنه كذلك أو لا؟
والمشهور في الضدّ العامّ هو القول بالاقتضاء وإن اختلف وجهه ، فقال البعض (١) إنّه بملاك العينيّة ، وهو غريب ؛ لأنّ الوجوب غير التحريم فكيف يقال بالعينيّة؟
وقد يوجّه ذلك : تارة بأنّ وجوب الشيء عين حرمة الضدّ العامّ في مقام التأثير لا عينه في عالم الحكم والإرادة ، فكما أنّ حرمة الضدّ العامّ تبعّد عنه كذلك وجوب الشيء يبعّد عن ضدّه العامّ بنفس مقرّبيّته نحو الفعل ومحرّكيّته إليه.
وتارة أخرى بأنّ النهي عن الشيء عبارة عن طلب نقيضه ، فالنهي عن الترك عبارة عن طلب نقيضه وهو الفعل ، فصحّ أن يقال : إنّ الأمر بالفعل عين النهي عن الضدّ العامّ.
المقام الأوّل في الضدّ العامّ : المشهور أنّ وجوب الشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ ، فوجوب الصلاة مثلا يقتضي النهي عن ترك الصلاة ؛ لأنّ ترك الصلاة نقيض لفعل الصلاة ، وقد قرّب ذلك على أساس الملاكات الثلاثة للاقتضاء ، وهي :
__________________
(١) نسبه الميرزا الرشتي في بدائع الأفكار : ٣٨٧ ، إلى بعض المحقّقين.