الحسن والقبح. ولكنّهما يختلفان عن غيرهما من الأمور الواقعيّة بأنّهما يقتضيان جريا عمليّا معيّنا على طبقهما ، فإنّ الحسن المتعلّق بفعل يقتضي جريا عمليّا وهو صدوره ، بينما القبح يقتضي عدم صدوره.
ولهذا يمكننا تعريف الحكم النظري بأنّه إدراك الأمور الواقعيّة التي لا تقتضي الجري العملي ، بينما الحكم العملي هو إدراك الأمور الواقعيّة التي تقتضي جريا عمليّا معيّنا بذاتها وبقطع النظر عن وجود المانع وحالات التزاحم التي قد تمنع من ذلك في بعض الأحيان.
فالحسن والقبح بلحاظ وجودهما الواقعي يدخلان في الحكم النظري ، ولكن بلحاظ ما يقتضيان من الجري العملي على طبقهما من الفعل أو الترك يدخلان في الحكم العملي ، هذا بحسب التحليل والملاحظة. وإلا فهما من مدركات العقل العملي ؛ لأنّ الحسن ينبغي وقوعه والقبح لا ينبغي وقوعه.
ويدخل إدراك العقل للمصلحة والمفسدة في الحكم النظري ؛ لأنّ المصلحة ليست بذاتها مقتضية للجري العملي ، ويختصّ الحكم العملي من العقل بإدراك الحسن والقبح.
وسنتكلّم فيما يلي عن الملازمة بين كلا هذين القسمين من الحكم العقلي وحكم الشارع.
ذكرنا سابقا في بحوث متقدّمة أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها.
فالفعل إذا كان فيه مصلحة فسوف يتعلّق به حكم شرعي طبقا لهذه المصلحة ، فإن كانت لزوميّة تعلّق بها الوجوب وإن كانت غير لزوميّة تعلّق بها الاستحباب.
وأمّا إذا كان فيه مفسدة فسوف يتعلّق به التحريم أو الكراهة تبعا للزوميّة المفسدة وعدم لزوميّتها. وأمّا إذا لم يكن فيه المصلحة والمفسدة أو كان واجدا لهما بنحو واحد فسوف يكون مباحا.
وهذا معناه أنّ المصلحة والمفسدة من الأمور الواقعيّة التي يتّصف بها الفعل. ولكن هذه المفسدة والمصلحة لا تقتضيان بذاتيهما جريا عمليّا على طبقهما ، فإنّه ليس كلّ