الإيراد الثاني : أنّنا لو فرضنا قيام الدليل العقلي القطعي على نفي الحكم الشرعي لا على إثباته ، فما ذا يقال بهذا الشأن هل يحكم بحجّيّته أم لا؟
فإن قيل بحجّيّته كان هذا تفصيلا في الدليل العقلي من دون أن يكون له أي مبرّر.
وإن قيل بعدم حجّيّته ، فلو فرضنا أنّنا قلنا باستحالة ثبوت الحكمين المتضادّين ولو على وجه الترتّب ، فإنّ هذه الاستحالة عقليّة ، وهي تنفي ثبوت الحكم الشرعي. فإذا لم يكن الدليل العقلي حجّة فاللازم أن يحكم الشارع بعدم ثبوت هذه الاستحالة ؛ لأنّ الدليل عليها كان من العقل وبالتالي يحكم بلزوم الأخذ بالحكمين المتضادّين ، فهل هذا معقول؟!
فالصحيح إذا أنّ المنع شرعا عن حجّيّة الدليل العقلي القطعي غير معقول لا بصورة مباشرة ولا بتحويله من القطع الطريقي إلى الموضوعي.
وبهذا يتبيّن أنّ الصحيح ما ذكرناه من كون الدليل العقلي القطعي حجّة في نفسه من باب حجّيّة القطع.
ولا يمكن أن يقال بعدم حجّيّته لا بسلب الحجّيّة عنه مباشرة والردع عن العمل به ؛ لأنّه مستحيل كما تقدّم ، ولا بتحويله من قطع طريقي إلى قطع موضوعي بمعنى أخذ عدمه قيدا في الحكم الشرعي ؛ لأنّنا أثبتنا عدم جدوى ذلك.
ولكنّ القائلين بعدم حجّيّة الدليل العقلي استندوا إلى جملة من الروايات (١) التي ندّدت بالعمل بالأدلّة العقليّة ، وأكّدت على عدم قبول أي عمل غير مبنيّ على الاعتراف بأهل البيت عليهمالسلام ونحو ذلك من الألسنة.
استدلّ الأخباريّون على عدم حجّيّة الدليل العقلي القطعي بالروايات الدالّة على ذلك ، فإنّ الروايات ندّدت بالعمل بالأدلّة العقليّة ، وأكّدت على لزوم العمل بما يصدر من أهل البيت عليهمالسلام وكلّ عمل غير مبني على الاعتراف بهم فلا يكون مقبولا.
__________________
(١) انظر : وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦.